جاء الإسلام السياسي كردة فعل قوية على تصرفات الأنظمة العربية التي حكمتها دعوات بعثية وقومية وناصرية وملكية في فترة من تاريخ الشرق.

نمت هذه الدعوات في آخر عمر السلطنة العثمانية وإنطلقت بعد تقسميها حيث دغدغ العرب حينها مشروع الدولة العربية الموحدة.

سقط مشروع الدولة الواحدة كبديل عن السلطنة العثمانية وحل مكانه دعوات قطرية وقومية في مرحلة شهدت تقسيم للدول العربية تبعا لإتفاق سايكس بيكو وقيام دولة إسرائيل.    

الإخوان المسلمون دعوة مبكرة للإسلام السياسي:    

كان الإسلام السياسي حينها في بدايته،  وتصدى له الاستاذ حسن البنا،  المؤسس والأب الروحي لحركة الإخوان المسلمين.

وعلى الرغم من دعوته لقيام الحكم الاسلامي،  كان البنا يهادن في فترات السلطة الملكية او حكومتها في مصر وإجتهد لإعطاء أكثر من معنى لفلسفة الدعوة قبل قيام الحكومة الإسلامية.

رجل آخر هو سيد قطب،  منظر الإسلام السياسي،  كانت رحلته لأميركا كفيلة بتغيير طريقة تفكيره وتبنيه منهج التكفير والعنف،  إعتبر أي مجتمع لا يوجد فيه حكم إسلامي أو تحكمه الشريعة الإسلامية هو مجتمع جاهلي وجب تكفيره.

في البداية،  كانت العلاقة بين الإخوان وعبد الناصر عبر سيد قطب ودية ولطيفة،  لكنها إختلفت فيما بعد ما جعلت سيد قطب ينتقد ويكفر الدولة المصرية،  فسجن وأعدم.

وتحولت العلاقة بين الدولة المصرية وخصوصا مؤسسة الجيش والإخوان إلى حالة من العداء توجت بإغتيال السادات على يد الإسلامبولي.

وطيلة فترة نضالهم السياسي حاولوا الوصول الى السلطة في مصر لكنهم فشلوا بإستثناء ما حصل خلال فترة الربيع العربي عندما وصل مرسي لكن سرعان ما إنقلب الجيش عليه وأطاح بحكمه.  

ولاية الفقيه نظرية في الإسلام السياسي:  

على الضفة الثانية من ضفاف الإسلام هناك الشيعة. طائفة إسلامية مارست المعارضة طوال تاريخها مع بعض الإستثناءات. حكم على الشيعة وكأنه قدرهم أن يكونوا معارضة ولا يمارسوا الحكم لقناعة أسس لها وزرعت داخل الحوزات بأن لا راية للشيعة ترفع في زمن غيبة المهدي المنتظر حسب عقيدتهم.

لكن في بداية القرن العشرين،  وخصوصا في أواسطه طرأ على التفكير الحوزوي تطور لافت. جاء الإمام الخميني بنظرية جديدة على الفهم الشيعي هي ولاية الفقيه،  أي حكم الفقيه بدل رجل مدني بالمعنى السياسي،  وإقامة الحكومة الإسلامية بدل الحكومة المدنية.

وفي النجف الأشرف لاقى الدعوة رجل دين آخر هو السيد محمد باقر الصدر،  فيلسوف ومرجع إسلامي من الطراز الرفيع. 

أسس حزب الدعوة الإسلامية،  والتي تتبنى الإسلام السياسي بشقيه الدعووي والعملي ومارسوا معارضة سياسية ضد حكم صدام حسين.

ألف الصدر كتبا تدعم نظرية الحكومة الإسلامية من خلال الفعل الواقعي ككتابه الشهير إقتصادنا وكتاب البنك اللاربوي.

وهما كتابان يؤصلان لعمل مؤسساتي في دولة الإسلام السياسي. نقطة الإلتقاء بين الإخوان وولاية الفقيه في الأهداف والأسلوب والمرجعية. فكتب سيد قطب والبنا كانت توزع داخل حوزات النجف وقم للدراسة والتعلم منها، وإستفاد القيمين على نظرية ولاية الفقيه من تجربة الإخوان ومؤلفيهم وكتبهم للتأصيل والتأسيس لدولة الولي الفقيه.

وعلى الرغم من أن الإخوان أسبق وأبكر بالدعوة من نظرائهم الشيعة إلا أنهم فشلوا حتى الآن في إقامة دولتهم وحكومتهم فيما نجحت نظرية ولاية الفقيه في إيران على يد الخميني عام 1979 في تسلم الحكم. ومن وقتها إلى الآن تمكنت هذه النظرية من العمل وتبنت إضافة إلى الدعوة والعمل شعار تصدير الثورة.  

العلاقة بين إيران والإخوان المسلمين:  

على عكس قناعة العامة من الطرفين،  كانت العلاقة دائما مميزة بين الإخوان وحكم الملالي في إيران.

فالعلاقة يسودها الإتفاق ووحدة الرؤية والهدف والحكم وأدواته. فكلاهما يؤمنان بحكم الشريعة الإسلامية والإسلام السياسي. وقبل أن تصل رياح الثورات إلى سوريا،  أطلق مرشد إيران على الربيع العربي وثوراته لقب الصحوات الإسلامية وتبنت كل المجموعات والتنظيمات التي تدور في فلك طهران في المنطقة هذه الثورات ودعمتها إعلاميا وسياسيا.

وقبل الربيع العربي بسنوات،  كانت العلاقة طبيعية ومهمة بل إستراتيجية بين الطرفين. فالوحيد الذي مدح وبارك عملية إغتيال السادات هو الخميني وأمر بتسمية أحد شوارع طهران بإسم الإسلامبولي على إسم قاتل السادات.  

أيضا دعمت إيران حماس وهي مفخرة الإخوان المسلمين في العالم لأنها الوحيدة التي إستطاعت الوصول الى الحكم والسيطرة ولو بغزة فقط. وعند نجاح ثورة مصر ووصول مرسي وهو إخواني إلى سدة الرئاسة الجمهورية،  قام بزيارة إيران،  وهي أول زيارة لرئيس مصري إلى إيران بعد الثورة الإسلامية وكذلك فعل نجاد حينها وزار القاهرة ونشطت حركة السياحة الدينية بين البلدين على الرغم من إعتراضات السلفيين في مصر.

وعندما إنقلب الجيش المصري على مرسي،  ثلاث دول حول العالم فقط دانت هذا الإنقلاب،  وهي تركيا وقطر وإيران وليس من باب الصدفة أن تلتقي هذه الدول الثلاث حول مشروع الإدانة،  فحزب العدالة والتنمية هو حزب إخواني بتركيا وقطر هي عرابة الإخوان المسلمين في العالم أما إيران فهي ولاية الفقيه ومقربة عقائديا وفكريا من الإخوان.

 

أول خلاف بين الطرفين:

  كانت الأزمة السورية نقطة الخلاف المركزية بين الطرفين. فالعلاقة بين إيران وحماس تدهورت لوقوف ايران مع بشار الأسد واختيار حماس المعارضة السورية كما فعلت تركيا وقطر ومصر الإخوان.   لكن على الرغم من هذا الخلاف، بقت قنوات التواصل مستمرة بين الطرفين،  ولم تتوقف الزيارات أو الاتصالات بين ايران وقطر وتركيا وحماس وحتى حزب الله لعدة إعتبارات أهمها شعورهم جميعا بأن الإسلام السياسي بات في خطر وجودي .  

الإسلام السياسي في خطر:

  بعد أن سيطرت على الحكم حركات الإخوان في مصر وتونس واليمن وفلسطين المحتلة خصوصا في فترة الربيع العربي حيث انتشر مصطلح ربيع الإخوان حينها،  بدأ الإخوان يشعرون بالقلق الوجودي.   كان إنقلاب مصر ضربة قاسية للإسلام السياسي بشكل عام وليس فقط للإخوان.  

فواقع الأمور أثبت أن نخب المجتمعات العربية ترفض الإسلام السياسي والإحصاءات الشعبية التي جرت بعد تسلم الإخوان للحكم في مصر أظهرت تراجع الرغبة الشعبية بالإسلام السياسي نتيجة أخطاء ومشاريع هذا النوع من الحكم.  

هذه كانت الضربة الأولى فقط.  

أما الضربة الثانية فكانت من داخل الإخوان أنفسهم.  

فحركة النهضة في تونس،  وهي بالمناسبة من أنجح الحركات الديمقراطية في العالم العربي، فصلت في مؤتمرها الأخير بين السياسة والدين وتبنت شعار الدولة المدنية وحصرت الدعوة بأمور ثقافية وأخلاقية وسلوكية وإجتماعية لا تمت للحكم والسياسة بصلة.  

لقد أثبتت تجربة حركة النهضة ان ما كان مفكري الإسلام السياسي يحاربوه هو الأصح وهو الأفضل لجهة تبني أدبيات الدولة المدنية فهي الخيار الأفضل والأنسب للحكم العربي بعيدا عن هذه المجموعة والنوعية من الحكام الموجودين.  

وحركة النهضة تجربة جيدة لمشروع بديل يؤسس للدولة المدنية العادلة والديمقراطية الحقيقية.  

أما ولاية الفقيه،  فهي تمارس ولا تزال إزدواجية ذكية،  بحيث تقدم نفسها بالإقليم على أنها ثورة وتقدم نفسها للغرب على أنها دولة وجمهورية،  وهي تنجح إلى الآن،  لكن الحراك الشعبي الداخلي والعقوبات الإقتصادية والتطور الذي شهده العالم ومستوى ونوعية وثقافة وتفكير الشعب الإيراني كلها تدل على رغبة في التغيير خصوصا لإزدياد صلاحيات رجال الدين.

فولاية الفقيه منقسمة على نفسها اليوم لدرجة أن الخامنائي خون رفسنجاني في إحدى خطبه حول الصراع على الأولوية لتحديد مستقبل إيران بين الصواريخ أو المفاوضات.

  فالرغبة الشعبية في ايران منذ أحداث الإنتفاضة الخضراء تتجه نحو تكريس لقواعد جديدة في عالم ولاية الفقيه الغامض،  قد يطاح بها بين لحظة ولحظة.  

اليوم شعوب المنطقة،  وبعد تجربة مع الإسلام السياسي الذي لم يولد إلا حركات إسلامية متطرفة شوهت الإسلام، ترفض هذا الإسلام السياسي وتطالب بالدولة المدنية التي نجحت في الغرب في وقت فشل الإسلام السياسي ويفشل وسيفشل رغم مكابرته في تأسيس وبناء مجتمعات سليمة وصحية يسودها العدل والحرية والديمقراطية والعدالة.  

الإسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني  يتهاوى،  هي فرصة للدعوة من جديد ومن دون خجل نحو إقامة الدولة المدنية. فبديل الإسلام السياسي هو الدولة المدنية العادلة وحينها فقط سنجد الإسلام والمسلمين في بلادنا.