أولاً: الحملة المنظمة ضد معلوف..

  تمرّ الأمة العربية هذه الأيام بأسوأ مراحل حياتها السياسية والحضارية والثقافية، فبالإضافة إلى الحروب المندلعة في معظم البلاد، يبقى الإرهاب سيد الموقف على كافة الصعد، ومن كان يحسب أنّ المجال الثقافي سيسلم، ثبت خطؤه، فالحروب الطاحنة أطاحت بما تبقّى من قيم قومية ودينية وإنسانية،خبا التنوير وانطفات شمعته، فحلّ النقل محل العقل، والقمع محل الحوار، وأوهام التخلف محل أحلام التقدم. وها نحن في ظلال التكفير والتخوين، نطال علما من أعلام الأدب العالمي أمين معلوف، وله أسوة بمن سبقوه، فطه حسين، مثلاً، الذي دعا إلى تشريع القوانين المدنية، ونشر التعليم، وتنظيم الاقتصاد، والأخذ بنظم أوروبا الديمقراطية، والمساواة بين المواطنين، اتّهم بالكفر والإلحاد، والعمالة والخيانة، وأصبح أزهرياً آبقاً، ارتمى في أحضان الفرنجة، واللص الذي يسرق من أساتذته "الخواجات"، وما لبث أن وضعه أنور الجندي في ميزان الإسلام، وتتالت الكتب والمنشورات التي تدعو إلى تكفيره والحطّ من قيمته، ولا مجال للتفصيل في ذلك.

  كان هذا قبل نكبة فلسطين وقيام إسرائيل، أمّا بعد ذلك، وفي ثمانينيات القرن الماضي، أطلّ الداعية الإسلامي السعودي عوض القرني بأعنف هجوم على الحداثة والحداثيين ولا يتورع الشيخ الجليل في كيل التهم بأقذع النعوت، فيطرح الحداثيين جميعا في " حمأة الأفكار الهابطة والسهام المسمومة الموجهة للقضاء على الفضيلة والخلق والدين" .والحداثيون كفار وزنادقة شُذّإذ، منحلون، مُجّان، تنطق كتاباتهم باصلهم " من نبات مزابل الحي اللاتيني في باريس، أو أزقّة سوهو في لندن" يكتبون أفكارهم في "أحضان المومسات".

  وقائمة الحداثيين عند القرني طويلة تبدأ بطه حسين وعلي عبد الرازق،وأحمد زكي ولويس عوض، وتمر بأسماء غالي شكري ومحمد برادة وادونيس ومحمود درويش، وغيرهم.

  ثانياً: أمين معلوف ليس عضواً في بعثة..

  أمين معلوف انتقل إلى مرحلة الأديب العالمي في أوروبا، أوصلته إلى عضوية الأكاديمية الفرنسية وهو ينتمي إلى جيل الحداثة، جيل محمد أركون، وغالي شكري  ومحمد برادة وادونيس وغيرهم ممّن أبدعوا في مجال العلوم الإنسانية والشعر والأدب، وللتذكير فقط ،أمين معلوف ليس عضواً في بعثة علمية أو دينية، اوفدته بلاده، ليعود في خدمة الديكتاتوريات والفكر الظلامي،حتى من سبقه من رواد البعثات لم يسلم من تهمة التغريب والعمالة كالطهطاوي والشدياق والمراش وزكي مبارك وغيرهم،وهو ليس داعية إسلاميا كالافغاني  الذي كرّمه الغرب وتاه في بلاد المسلمين بين نفيٍ واضطهاد، والمعلوف ليس داعية سياسيا، ولا يحمل فكراً سياسياً، ولا يملك مطبوعة سياسية، وليس عضوا في تنظيم سياسي، هو علم ثقافي وقع بين أيدي مُدّعي المقاومة والممانعة، بانتظار إصدار فتوى الإعدام، وهذا لا يضيره في شيء، التعتير علينا نحن، المعلوف يرتع في بلاد الحرية والديمقراطية، ونحن لم نهتدي إلى أفضل الوسائل لتعيين أول أيام الشهر القمري. والبحث الحر ما زال عزيزاً عندنا ، والحال أنّ هناك شكّا بأننا نبحث، بل الأرجح أنّنا نحب أو نكره،ندافع أو نهاجم،نُبرّر أو نُخرج المثالب، نُرسّم حيطانا متداعية ولا نبني جديداً، وما نسمّيه بتفاخر أحيانا حركة الأفكار في بلادنا ،يكاد يقتصر على حنين إلى ماضٍ تليد، أو نقمة على حاضر عنيد.

  عفوا، أمين معلوف، فهانحن مشغولون بالدفاع وردّ الأباطيل، فالنصاب الديني التكفيري والتخويني ما زالت له الكلمة الفصل.