أولاً: تعريف بالسيد الأمين ..

انتقل السيد علي الأمين إلى النجف عام ١٩٧٣ ، حيث أتمّ دراسة دينية متصلة لحوالي سبع سنوات، اضطرّ إلى قطعها عام ١٩٨٠ بعد إعدام الشهيد محمد باقر الصدر، وانتقل من النجف إلى قُم، حيث أقام فيها ثلاث سنوات أتمّ في آخرها دراسة"الخارج" التي تُؤهل لكتابة رسالة يُجاز فيها صاحبها مُجتهداً، وعاد عام ١٩٨٣ إلى بيروت .

انصرف الأمين ، الطالب اللامع والمجتهد الأصيل إلى التدريس بعيدا عن الأضواء، إلاّ أنّه لم يلبث أن خرج عن تحفّظه واقتصاره على التدريس، حين نشب خلاف حزب الله مع حركة أمل، فانحاز الأمين إلى حركة أمل، وترك التدريس ،  وعاد إلى بلدته في ضواحي صور، وترأس معهدا للدراسات، وشغل منصب مفتي صور وجبل عامل، قبل أن يُرغم أخيرا على ترك منصبه الديني ،والالتحاق بركب سياسي مغاير تماما لما يسود في البيئة الشيعية التي عمل طويلا على بناء إرهاصاتها الأولى واساساتها.

ثانياً: إبطال فتوى السيد فضل الله..

دحض السيد الأمين فتوى أستاذه الراحل السيد محمد حسين فضل الله، والتي اعتمدت العودة إلى المراصد الفلكية بتعيين ولادة الأشهر القمرية، ونسفها من أساسها، إذ هي ،في رأي الأمين ،خروجٌ على ضاهر النص الذي ربط العبادة (الصوم) بالضاهرة الكونية ( ولادة الهلال) والتي لا تثبت، أي الولادة إلاّ بالرؤية الحسية، وذلك لحديث رسول الله" صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته"، والرؤية الواردة في النصوص، ودائما عند الأمين، تجعل ارتباط الصوم بها وحدها، بحيث تكون دخيلة في ثبوت الحكم لموضوعه، فيثبت الحكم بثبوتها وينتفي بانتفائها.

ويذهب الأمين إلى أنّ الصوم لا يجب بثبوت الولادة، وإن دلّت عليها الأرصاد الفلكية، فلم يرد في النصوص ما يفيد بأنّ باستطاعة البشر أن يصوموا لولادة الهلال.

وعليه لا يستوي النص الديني "صوموا لرؤيته" مع ( دعوى السيد فضل الله، دون أن يُسميه) صوموا لولادته، ويذهب الأمين أبعد من ذلك، فيحاول التشكيك بيقينية علم الفلك، الذي قد يصيب وقد يُخطئ كما يحصل في توقّعات الطقس، وهنا يدخل الظن الذي لا يُغني عن الحق في شيئ.

يبقى اللافت أنّ الأمين يُغفل مسألة الاجتهاد كليا، ويعود إلى التقليد الجامد على النصوص، ويتابع في ذلك الحنابلة، وكل المذاهب الضاهرية، من داوود الضاهري إلى ابن حزم إلى ابن تيمية، الذين يقفون عند ضاهر النص، ولا يحيدون عنه قيد أنملة،فالنص صوموا لرؤيته ثابت ومُتّفق عليه ومتواتر، عمل به النبي والصحابة والتابعون إلى يومنا هذا، أمّا مسألة الإستفادة من علم الفلك، فهي ليست من اختصاصنا، يقول الأمين، ولا علاقة لها بالبحث الفقهي، وبالتالي لا علاقة لها باستنباط الحكم الشرعي، وتحديد موضوعات الأحكام الشرعية يكون بالنصوص الشرعية وحدها.

وهذا ما قصدناه بأنّ السيد الأمين أطاح بالحكم الشرعي الذي اعتمده السيد فضل الله من أساسه،والذي يحتكم ليقينية العلم بولادة الهلال باليوم والساعة والدقيقة والثانية،وطبيعي أن السيد فضل الله على دراية بحديث رسول الله، فالرسول كلّف المؤمنين بما وسعهم ذلك في زمنه، وهي الرؤية الحسية، أمّا اليوم وقد تيسّرت "الرؤية" بأفضل ما يكون بواسطة العلم اليقيني، وكانت هي الرؤية التي قصدتها الشريعة لجلاء ميقات الولادة، فلم الاشاحة عن العلم، والتمسّك بقدسية النص؟

ولم يُفضّل الأمين وضع الرؤية الحسية في مصاف المقدّس، هي وسيلة ، وكانت الوحيدة المتاحة زمن الرسول، ويعلم القاصي والداني أنّ المحسوسات معرّضة أكثر من غيرها لمواطن الزلل والخطأ والشبهة.

ولماذا يدعونا الأمين للاطمئنان لما هو حسّي أكثر من الاطمئنان لما هو خفي في حركة الكون وأجرامه وكواكبه، حتى ليكاد يشكك في دوران الأرض، لأنها حركة خفية، يقول بها علماء الفيزياء والفلك، وهذا ما كان عليه الكهنة الذين حاكموا "غاليله" لقوله بدوران الأرض، في حين أنّها ثابتة للعيان، ولا يبقى للسيد الأمين وتابعيه إلاّ أن ينتظروا يوما تفسد فيه حركة الكواكب، فيمتنع الهلال عن الولادة، أو تنعيّر ولادته، رغم أنف العلماء وارصدتهم.

ثالثاً: في مواقيت الناس والحج..

دعم السيد الأمين أطروحته، بأنّ الرؤية الحسية تساعد الناس في مواقيت ولادتها ووفاتها ومواقيت حجها، فيقال ولد فلان أول الشهر، أو.

توفي علان آخر الشهر، وهذا كما هو معلوم لا فائدة منه ولا طائل بدون الدخول في مرحلة التاريخ، فالعرب قبل أن يستقروا على بداية تاريخهم بالهجرة أو بوفاة الرسول( كان معمر القذافي مصراً على التأريخ بوفاة الرسول) يؤرخون، دون استعمال الكلمة، بما يحدث بين ظهرانيهم، فقد أرّخوا بعام الفيل ، كما أرخوا ببناء الكعبة وموت قصي، كما يقول الطبرسي في تفسيره، وهكذا فلا معنى اليوم أن نقول بأنّ فلانا ولد في منتصف شهر رجب إن لم نعزز ذلك بالقول مثلا لتسع سنين خلت من الهجرة، فضلا عن أن اعتماد مواقيت الأهلة لا تضيرها أبدا وسائل تحديد ولادتها.

وأخيرا، ومع الاعتذار من السيد علي الأمين، فأنا هنا لا اُناصرُ مذهباً على مذهب، ولا اُفاضلُ عالماً على آخر، إنّما يبقى التجديد الفقهي، في نظرنا، هو الأجدى والاسلم لديننا ودنيانا، وسلامة عقولنا.