اجتماع وزراء دفاع روسيا وإيران وسوريا في طهران، ليس اجتماعاً عادياً. إنه اجتماع يقع في توقيته، عند مفترق خطير ودقيق للحرب في سوريا، لذلك يجب متابعته ومراقبة ما سينتج عنه علناً وما ستتم ترجمة قراراته السرية ميدانياً في سوريا وحتى العراق. لو لم يكن الأمر مهماً وتتداخل فيه المواقف السياسية بالعسكرية كان يمكن الاكتفاء بعقد اجتماع بين أركان الجيوش الثلاثة أو مديري وزارات الخارجية.

الحرب في سوريا تتحول تدريجياً الى حرب دولية، تضع المنطقة كلها ومن دون استثناء على حافة هاوية أقل ما يُقال فيها من يخرج منها بلا دمار ولا تشوهات إنسانية - ديموغرافية وجغرافية يصبح أعجوبة. هذا التوصيف، ليس أدبياً ولا عاطفياً، وهو يُقال على أعلى المستويات. والى الوقائع:

قد يُقال نعلم أنه توجد قوات عسكرية ومخابراتية لكل الدول الأعضاء في الحرب في سوريا، لكن يوجد فرق بين التسريبات المخابراتية والإعلامية وبين الإعلان الرسمي. الفرنسيون كشفوا أنهم أرسلوا وحدات كمندوب الى سوريا، وقد سبقهم الى ذلك الإنكليز والأميركيون والروس والأتراك وبطبيعة الحال إيران ومجموع ميليشياتها الشيعية بقيادة الجنرال سليماني، وقد تزوج من سورية ما يخوّله الإقامة من دون دعوة رسمية. هذا، من دون تناسي الدور الإسرائيلي الواسع والفعال بالتعاون وبالتكافل والتضامن مع موسكو ومباشرة مع «القيصر» فلاديمير بوتين، جواً وبراً.

كل هذا أمر يمكن التعامل معه بدراية، ولكن الإعلان عن النزول الثلاثي الأميركي والإنكليزي والفرنسي للقتال جنباً الى جنب مع الأكراد الآملين بالانفصال وهم الذين يقولون: «إن كردستان محتلة من العرب» ولا تخضع لمبدأ تقرير المصير. بهذا التدخل، يتم تغيير كل المعادلات، ولم يعد معروفاً ماذا سينتج عن هذه الفوضى التي قد لا تبقى منظمة، مما يضع سؤالاً كبيراً حول مستقبل سوريا كدولة أولاً والمنطقة خصوصاً العراق ولبنان ثانياً.

أيضاً وهو مهم جداً. حتى الآن يجري ضبط المواجهات بما فيها الاشتباك الجوي التركي ـ الروسي، ولكن ماذا سيحدث إذا وقع صدام بالصدفة أو عن سابق تصور وتصميم؟ في قلب هذا الخطر توجد تركيا التي تعاني يومياً من تفجيرات «الاٍرهاب الكردي». مجرد فكرة استقلال «كردستان» سوريا، تثير كل الكوابيس التركية. ما يقلق تركيا خطر تفاهم ولو ضمني بين موسكو وواشنطن. في المعارك الأخيرة في «كردستان التركية»، سقطت هليكوبتر تركية، أعلنت أنقرة أنها سقطت لعطل فني، فما كان من الأكراد وبموافقة روسية إلا أن عرضوا فيديو لإسقاط الطائرة بصاروخ روسي من نوع 9K38-Igle وأرفق الفيديو برسالة روسية: إذا أعطيتم صواريخ أرض ـ جو للمعارضة السورية نعطي للأكراد صواريخ مماثلة. رغم هذا التحذير يُقال إن الرئيس رجب طيب اردوغان لا يمكنه الوقوف مكتوف اليدين، وأنه قد يُقدم على التدخل المباشر خصوصاً إذا استولى الأكراد السوريون بقيادة المسؤول العسكري والرجل القوي آلدار خليل على منبج.

الصدام المباشر الروسي - التركي يصبح ممكناً ولكن ماذا عن موقف واشنطن؟ وماذا عن إيران المستفيدة الكبيرة من تكسير «أسنان» تركيا في سوريا على المدى القصير؟ ولكن ماذا على المدى المتوسط، خصوصاً أن لديها مشكلة كردية عميقة الجذور تعود الى «جمهورية مهاباد» الكردية التي قامت في العام 1946؟

هذا التدخل الى جانب الأكراد، يطرح على السوريين بجميع فصائلهم، سؤالاً كبيراً: هل فُتح الباب أمام التقسيم أو الفيدرالية في أفضل الظروف؟ وماذا عن مستقبل النظام والمعارضة معاً؟ وهل هذا يتضمن حلولاً للقضية المركزية فلسطين تكون إيران طرفاً فيه مهما كابرت خطابياً؟ وماذا عن مستقبل «حزب الله» الذي مهما حضنته إيران ودللته سيضطر في النهاية إلى الدخول في الترتيبات خصوصاً أن القرار 1701 موجود، لا سيما وأن روسيا ستكون الضامن الكبير لمثل هذه الاتفاقات التي تسمح لها بتثبيت وجودها في المنطقة وإعادة رسم خرائطها فتأخذ بذلك بعد مائة عام من اتفاق سايكس - بيكو مكانهما!!

تصعيد الرئيس بشار الأسد الأخير وإصراره على الحل العسكري ناتج عن استقوائه بالروس والإيرانيين ولكن أيضاً في حشر المعارضة السورية بين «مطرقته» وبين «السندان» الكردي المدعوم غربياً، في حين أنه قادر على تقديم التنازلات تلو التنازلات التي تفتح له أبواب التفاوض.

لا يوجد حسم في المواقف والترتيبات. إنها حرب الإرادات بانتظار انتخاب الرئيس الأميركي القادم. بالتأكيد ستختلف الأمور مع بقاء أهمية المكاسب المسجلة حتى ذلك الوقت في خانة المتفاوضين على طاولة التفاوض.

 

أسعد حيدر: المستقبل