مشاهد كثيرة تختفي وأخرى تبرز في أسواق طرابلس القديمة في شهر رمضان، لكنها لا تبدل في المشهد العام الذي يجسّد يوميات الطرابلسيين طيلة أيام هذا الشهر، وتحديداً بسطاء الدخل منهم الذين يتنفّسون من رئة هذه الاسواق التي تقدم اسعاراً تنافسية تساعدهم على تحمل الضائقة الاقتصادية وفي الوقت عينه تسعف شريحة كبيرة من الباعة الذين تتضاعف أعداد بسطاتهم في هذا الشهر، لتأمين قوت عائلاتهم، خصوصاً بعد تراجع عمل معظم المؤسسات الخيرية والجمعيات والقوى السياسية على خط تقديم المساعدات في هذا الشهر كما جرت العادة باستثناء المؤسسات التابعة لجمعية العزم والسعادة التي ما تزال تواظب على تأمين وجبات الإفطار والحصص الغذائية.

ولعل من أبرز ملامح التغيير التي تطرأ على تلك الأسواق في هذا الشهر هو هجمة باعة الحلويات الشعبية والعصائر والمغربية والكبيس والكعك وغيرها من المأكولات التي تشتهر بها المدينة، على حساب بقية السلع التي يتراجع حضورها نظراً لقلة الطلب عليها، فضلاً عن ازدياد أعداد البسطات، إلا أن من بين كل تلك الأمور يبرز تغيّب الصيام لأصوات الباعة والذي يُعتبر من تراث تلك الأسواق، ليستعيضوا عن ذلك برفع لافتات كتب عليها أنواع السلع وأسعارها.

ويمكن القول إنه لا شيء ينغص على أبناء المدينة فرحتهم بهذا الشهر سوى ارتفاع أسعار السلع الغذائية والتي تكاد تكون مضاعفة في بعض الأحيان، ما يفرض على الزبون استخدام كل وسائله للحصول على السعر الذي يناسبه من خلال محارجة الباعة او انتظار أوقات المغيب لكي يتمكّن من الحصول عليها بالسعر الذي يناسبه، وهو ما تعكسه الحركة المتزايدة التي تشهدها الأسواق في الساعات التي تسبق موعد الإفطار والتي تخلق ازدحاماً نظراً لكثافة أعداد الزبائن الذين يبحثون عن المأكولات والخضار والفواكه بأسعار أرخص من مثيلاتها في سائر مناطق المدينة، ويؤكد هؤلاء أن "الأسعار هنا أرخص وكل البضائع المطلوبة متوافرة، ويمكن المساومة، خصوصاً قبل موعد الإفطار، حيث يضطر صاحب المتجر الى إجراء تخفيضات، لسببين الأول حتى لا تبقى البضائع عنده، والثاني لكي يتمكن من الذهاب الى منزله وانتظار موعد الإفطار".

وتنتشر في الأسواق محال وبسطات بيع الخضار والفواكه واللحوم والحلويات والسكاكر والتمور والعصائر الرمضانية، وتشهد إقبالاً كثيفاً، وتحديداً الخضار، حيث يؤكد البعض ان عدم تصديرها إلى الخارج بعد إقفال الحدود بين سوريا والأردن أدى إلى الحفاظ على أسعارها وعدم السماح للتجار باستغلال هذا الشهر لرفع الأسعار كما كان يحصل كل عام، لكن ذلك لا يمنع أن ازدياد الطلب على الخضار يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

وإلى جانب هذه البسطات والمحال، سجل في الآونة الأخيرة انتشار لافت لرجال ونساء من النازحين السوريين، والذين يعملون على تأمين بعض المأكولات وتجهيزها للطهي مباشرة لربة الأسرة، لقاء أجر مالي معين، وهذه ظاهرة ربما بدأت تستهوي بعض السيدات اللواتي يرغبن بالحصول على الراحة مقابل بعض الأموال.

(السفير)