أما وقد هل علينا شهر رمضان المبارك، شهر التوبة والرحمة والغفران، حري بنا ان نقف أمام قداسة هذه الشعيرة الدينية لنلتمس الفوائد الروحية والجسدية من فلسفة الصوم في هذا الشهر المبارك كما نلتمس ثبوت الهلال ولكن على قاعدة الاتفاق.

وليس على قواعد الاختلافات على بداية أيام هذا الشهر ونهايتها بين أبناء الأمة الإسلامية الناشئة على خلفيات سياسية وليس انطلاقا من قواعد فقهية وعلمية وأخلاقية بحيث يتم تسخير الجانب لهذا الشهر لمصلحة السياسات الكبرى لبعض الدول الإسلامية التي تصنف نفسها في موقع قيادة الأمة الإسلامية مما يزيد من الانشقاقات والتشرذم والاحقاد بين المسلمين.

علما بأن هذه الدول التي تصادر قيادة العالم الإسلامي وفي فرقتيه الكبريين السنية والشيعية من المفترض ان تكون الرائدة في تقارب الفرق الإسلامية لتوحيد كلمة المسلمين المنتشرين في أربع رياح الأرض، والعمل على إزالة الشوائب والادران العالقة من الأزمنة الغابرة انطلاقا من قوله تعالى / تلك أمة قد خلت..   /.

وإذا كان في الامتناع عن تناول المفطرات من الفجر وحتى الغروب طيلة أيام هذا الشهر ما يجنب الصائم   الوقوع في معصية المفطر المتعمد.

إلا ان الاكتفاء بهذا المقدار من الصيام فإنه يبقى قاصرا عن بلوغ الغاية المرجوة من هذه الفريضة والوصول إلى الهدف الأسمى الذي وضعه الله سبحانه وتعالى أمام الصائم للارتقاء إليه، وذلك انطلاقا من الآية الكريمة..... يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (صدق ).

وهذا كتاب إلهي فيه دعوة إلى المؤمنين للألتزام بواجب الصوم كما كتب على الأولين من الأنبياء والمرسلين والصالحين وكافة المؤمنين عل في تلك الدعوة ارتقاء إلى درجة المتقين والتي لن تتحقق فقط بأعضاء المعدة إجازة سنوية لمدة شهر بمنع الطعام والشراب من الوصول إليها من الصباح وحتى المساء،  وفي هذا المعنى يقول الرسول الأكرم النبي محمد ( ص ) ان أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله، وكذلك يقول أمام المتقين الإمام علي بن أبي طالب  عليه السلام / صيام الفكر عن الآثام أفضل من صيام البطن عن الطعام / .

  فالله سبحانه وتعالى يريد لعباده قلوبا نقية ونفوسا مطمئنة في هذا الشهر أكثر مما يريد امعاءا خاوية واجسادا جائعة، فالإنسان الذي يصوم عن الطعام والشراب ولا يصوم قلبه ونفسه ولسانه عن المعاصي والخطايا والشرور والاباطيل وظلم الناس فإنه يبقى قاصرا عن التفاعل مع الدعوة الإلهية التي تريد له السمو والرفعة إلى مصاف العظماء. 

وفي هذا السياق هناك تعبير رائع للشهيد مرتضى مطهري حيث يلخص فيه فلسفة الصوم في كلمة معبرة وجميلة حيث يقول ( شهر رمضان تمرين على التقوى  )، فالله سبحانه وتعالى حدد شهرا من السنة واضح المعالم للتغلب على الشهوات والغرائز وشحذ الهمة،  والنجاح فيه هو مقدمة للنجاح ومحفز للاستمرار في باقي الشهور. 

فالصوم في شهر رمضان الكريم فضلا عن أنه علاقة روحية بين الإنسان والله، فهو أيضا مناسبة لتجديد هذه العلاقة والعمل بمقتضياتها والتي تدعو إلى التقارب والتآلف وتحفز الصائم للانتصار على الذات، والعودة إلى رحاب الله الواسعة. ونبذ الأحقاد والسير في طريق التقارب وتوحيد كافة الفرق الإسلامية والدعوة إلى كلمة سواء والاحتكام إلى الآيات الشريفة الداعية إلى التعاون على البر والتقوى..