من الواضح أن الإنتخابات البلدية والاختيارية حصلت في مواعيدها المحددة دون أي عوائق وأي عراقيل ( وبدون ضربة كف ) وذلك نتيجة رغبة توفرت لدى كافة الأطراف اللبنانية مغلفة ببعض التمنيات واحيانا ببعض الضغوط الخارجية منطلقة من وقائع تؤكد على عدم وجود مبرر للتمديد للمجالس البلدية على غرار التمديد للمجلس النيابي الذي تم مرتين متتاليتين.

الأمر الذي وضع كل فريق من الافرقاء اللبنانيين في موقف العاجز عن المطالبة بالتمديد البلدي ليجنب نفسه تهمة تعطيل عمل المؤسسات الدستورية والايحاء بسعيه لأجراء الاستحقاقات الانتخابية في مواعيدها.

  إلا أن الإنتخابات البلدية لا تنسحب على انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية بسبب إصرار حزب الله على تعطيل هذه الانتخابات بعد ان استطاع ان يربط الملف اللبناني بملفات المنطقة وخصوصا بالملف السوري. 

وقد عجز المجلس النيابي وعلى مدى أكثر من سنتين وفي الجلسات المتتالية التي كان يدعو لعقدها الرئيس نبيه بري والتي بلغت الأربعين دعوة عن الألتئام لانتخاب رئيس للبلاد. 

ولم يعد خافيا أن إيران هي التي تقف وراء عملية تعطيل الإنتخابات الرئاسية من خلال اداتها حزب الله، إذ تؤكد مصادر سياسية على ان إيران تخلط وتربط مواقفها في المنطقة ببعضها البعض وتضعها في سلة واحدة. وهذا ينطبق على موقفها من الملف اللبناني الذي تربطه بالملف السوري والملف اليمني، ولا تسمح بالفصل بينهما.

مما يفرض على لبنان دفع الثمن في الفراغ الرئاسي ويجعله عرضة للاخطار المحدقة به حيث يعيش اللبنانيون أسرى هواجس انتقال شرارة من شرارت الحروب المحيطة إلى بلدهم. 

واللافت أن روسيا التي كانت تتحرك في الآونة الأخيرة على خط الانتخابات الرئاسية مع أكثر من طرف إقليمي ودولي وعربي فإنها تستبعد حلولا قريبة للملف الرئاسي اللبناني بعدما بدأ الروس يتحدثون بصراحة ويحملون المسؤولية عن عرقلة انتخاب الرئيس إلى إيران وحزب الله حيث تعتبر موسكو أنه يمكن لإيران ان تؤدي دورا مساعدا أكثر في الموضوع اللبناني لكنها لا تقوم بذلك.

  وبالرغم من ان المصالح الروسية الإيرانية تتقاطع في أماكن كثيرة على الساحة السورية إذ لا يوجد بينهما خلافات استراتيجية، إلا أنه في الملف الرئاسي اللبناني فإن موسكو يتمايز موقفها عن موقف طهران، فهي تدعم وصول رئيس توافقي يجتمع عليه اللبنانيون، وهي تعتبر أن المسألة هي شأن لبناني داخلي وليس لديها اعتراض او فيتو على أحد، بل ترى ان هناك ضرورة ماسة للوصول إلى مرشح توافقي ينهي الأزمة في أسرع وقت ممكن. 

يبقى الإشارة إلى أنه في ظل الوضع المتأزم في المنطقة من سوريا إلى اليمن مرورا بالعراق إضافة إلى الاهتمام الدولي بمحاربة الجماعات الإرهابية وفي مقدمتهم تنظيم داعش.

فإن لبنان ليس أولوية في سلم الاهتمامات الدولية، وبالتالي فلا يبدو أن هناك حلولا للأزمات في المنطقة لما تحمله في طياتها من تعقيدات نشأت على خلفية التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية.

وعليه فليس في الأفق ما يشير إلى إنهاء الشغور الرئاسي بإنتظار حصول ظروف إقليمية ودولية جديدة تسمح بانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية.