ما نفهمه من الدين هو ليس إنكساراً وزهداً في الحياة وملذاتها،وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنَّ الله لا يحب المسرفين، ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن إنَّ الله يحب المحسنين، وأيضاً ليس الدين طقساً فارغاً من جوهره وغايته،وليس صلاةً وصياماً يذوب له المصلي والصائم ،لأن الصلاة هي رمزٌ إيمانيٌ للمصلي وإيماناً منه بحق الإنسان وخالقه،مهما كان الإنسان عرقه ودينه ومذهبه ولغته، وهي تعبير عن حب الإنسان للوطن والنظام والقانون الذي يحقق له الحرية والرخاء للجميع، هذه هي الصلاة التي ترد له عن أي فعل فيه ضرر وخصوصاً إذا كان الضرر على المجتمع، ما قيمة الصلاة إذا لم تنهى عن أي عدوان على الناس تحت أي مبرِّر ديني، الصلاة الصحيحة هي التي تجلب خيراً للوطن والناس والمجتمع، يصلي ويُخوِّف ويُرعب ويقتل ويشتم ويقمع ويذل ويشرد، لا خير فيه وبصلاته، وهذا ما يُفسِّر قوله تعالى "إنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"...

أما الصيام الذي أمرنا به الله سبحانه وتعالى، هو ليس تحدياً للجوع والعطش ،وليس رغبةً في الجوع والعطش،وإلاَّ كم من صائمٍ ليس له من صيامه إلاَّ الجوع والعطش،فإذا لم يكن الصيام عن الأهواء التي تفرض على الناس والمجتمع والمحتاجين والبائسين والفقراء ضريبة الجوع والعطش،وإذا لم يشعر الصائم بجوع الجائعين والمشردين والمهجرين،ويقول للقاتل والسارق والناهب،الذي يقتل الناس ويشردها أنت قاتل وظالم وناهب بإسم الله وبإسم الخير الذي تدعي أنك تطلبه للناس، في الوقت الذي لا يريد الناس هذا الخير، فما قيمة العبادة من صوم وصلاة، قال النبي (ص):"الصائم من يذر شهوته وطعامه وشرابه لأجل الله سبحانه"...

ما نفهمه من الدين أكثر من ذلك،بل إنَّ خدمة الناس والمجتمع هي فوق إقامة الشعائر الدينية في معنى العبادة الصحيحة والإيمان الخيِّر، يكفي هذا الحادثة التاريخية التى رواها "إبن عبدالله" أنه قال:"كنَّا مع النبي في سفرٍ،فمنا الصائم ومنا المُفطر،فنزلنا منزلاً في يومٍ حارٍّ،أكثرنا ظلاً صاحب الكساء،فمنا من يتقي الشمس بيده،فسقط الصوَّام،وقام المفطرون، فضربوا الأبنية،وسقوا الركاب...فقال النبي (ص):"ذهب المفطرون بالأجر كله"..

أليست واضحة على عدم إجازة الفريضة الدينية إذا كانت على حساب المعاش،ما قيمة عبادة دينية إذا كانت عائقاً دون البناء وخدمة الناس والمجتمع،فالله سبحانه وتعالى لا يحب من مصلٍّ أو صائمٍ إذا لم يدفع ضيماً عن مظلومٍ، ولا يحب ولا يرضى عن مجتمعٍ لا يبني ولا يرتقي إلى الحفاظ على حياة الناس، فقط وفقط همه الصلاة والمسجد والتسبيح والتهليل،ولا يدافع عن سغب المظلومين، ولو ملأ الشوارع والطرقات بمكبرات الصوت، ولو ملأ المساجد والحسينيات بالمآذن، ولو ملأ الكنائس بالأجراس،ما لم تخدم إنساناً جائعاً، ومشرداً ومهجَّراً، هذا هو جوهر الدين والعبادة..