دفعت التقارير الميدانية التي حصل عليها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي خلال لقائه الأربعاء بالقادة العسكريين في الجبهة إلى تأجيل معركة الفلوجة، وهو أمر لم يكن متوقعا بالمرة.

وقال خبراء عسكريون ومراقبون إن السبب المعلن للحكومة العراقية هو حماية المدنيين، لكن السبب الحقيقي لتأجيل المعركة هو عدم قدرة القوات الحكومية وميليشيا الحشد الشعبي على اقتحام المدينة في ظل مقاومة شرسة من مقاتلي تنظيم داعش.

وهذا التأجيل المفاجئ يؤكد المخاوف التي سبق أن حذر منها المراقبون، وخاصة أن المعركة لم يتم الإعداد لها بشكل جيد وأن القوات الحكومية لا تمتلك صورة حقيقية عن قدرات العدو.

ولا تبدو الحكومة العراقية قادرة على استثمار النتائج التي ستفضي إليها معركة استعادة مدينة الفلوجة سواء أكانت نتائج إيجابية أم سلبية.

ومثلت الحكومة طرفا هامشيا في معركة الفلوجة خاصة أنها لم تختر توقيت المعركة والمشاركين فيها، وتركت القرار للأحزاب النافذة ولميليشيا الحشد الشعبي ومن ورائهما طهران وواشنطن.

ولم يسع العبادي إلى تحضير مناخ سياسي إيجابي يجعل من معركة الفلوجة معركة العراقيين ككل. فقد فشل في تنفيذ الإصلاحات التي وعد بها ومازالت حكومة التكنوقراط مجرد اقتراح، ما تسبب في موجة من الاحتجاجات التي قادها التيار الصدري.

لكن نقطة الضعف الأبرز في سجل حكومة العبادي هو فشلها في تحييد الحشد الشعبي عن معركة الفلوجة، ما زاد من مخاوف العراقيين من تداعيات حرب طائفية شبيهة بما جرى في ديالى من قبل.

وقال مراقبون عراقيون إن الحكومة التي فشلت في التحضير السياسي للمعركة من الصعب عليها أن تنجح في استثمار المعركة وتطويع نتائجها لتوسيع قاعدة داعميها في الشارع العراقي، وستكون هي الخاسرة في النهاية مقابل ميليشيات الحشد الشعبي.

ولن يكون يسيرا على حكومة ضعيفة وتعاني من الضغوط الشعبية والحزبية احتواء تداعيات معركة الفلوجة في جانبها السلبي، فالوضع الإنساني في الفلوجة كارثي بشكل مريع.

ولا تخرج الحلول المتاحة بالنسبة إلى العبادي عن نطاق عمليات الإغاثة التي تقوم بها منظمات دولية ومحلية تعمل وسط حالة من القلق على مصير أعداد كبيرة من العراقيين الذين تم اختطافهم من قبل ميليشيات الحشد الشعبي التي تحيط بالمدينة.

وسيكون مصير أولئك المختطفين اختبارا مريرا تتحدد من خلاله مقومات معركة الموصل، وهي المعركة الأهم، إذ أن نتائجها ستتحكم في مصير العراق بلدا موحدا.

وإذا عجزت الحكومة عن ضبط سلوك الميليشيات في الفلوجة فإن التفكير في حسم معركة الموصل سيكون أمرا مستحيلا، وفي تلك الحالة ربما تدير الموصل ظهرها بشكل نهائي للعراق.

ويرى المراقبون أن ما يجري في الفلوجة هو الاختبار الأخير لحكومة العبادي. وأشاروا إلى أنه ربما يكون النصر على داعش يسيرا في الفلوجة، غير أنه سيكون نصرا ناقصا. وقد يتحول إلى سبب لهزيمة في معركة الموصل إن لم تسع الحكومة إلى استعادة ثقة سكان المدينة، بعد سنوات طويلة من غياب السلطة.

وتساءل رانج علاء الدين الباحث السياسي في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية في مقال له بصحيفة الغارديان البريطانية “بأي ثمن يمكن أن تستعيد حكومة حيدر العبادي الفلوجة؟”.

واعتبر علاء الدين أن استعادة الفلوجة غير ممكنة من دون أن تعمل الحكومة العراقية على كسب العقول والقلوب لكي تهزم تنظيم الدولة الإسلامية، داعيا إياها إلى استعادة ثقة المواطنين السنة بشكل خاص.

لكنه قال “إن حكومة العبادي هشة وغير فعالة وفاسدة وطائفية وليست أهلا للقيام بذلك”، معبرا عن اعتقاده بأن الهجوم سينتهي في الغالب بتمكن الحكومة العراقية من استعادة السيطرة على المدينة.

وقال مراقب سياسي عراقي “إن التهديدات الطائفية التي أطلقها أمراء الميليشيات في أوقات سابقة لن يحجبها إلا جهد حكومي كبير، يصب في خدمة تطبيع الأوضاع وطنيا. وهو ما أشك أن حكومة العبادي التي تقف بين حرص الأحزاب على استمرارها في تقاسم غنائم السلطة والضغوط الشعبية المطالبة بالإصلاح ومكافحة الفساد قادرة على القيام به”.

وبحسب محللين عراقيين، فإنّ الاستثمار السياسي في معركة الفلوجة استثمار ظرفي قصير المدى وضيّق الأفق.

ويرون أن نجاح معركة الفلّوجة، ومن بعدها معركة إنهاء سيطرة داعش على مختلف المناطق العراقية سيكون له مفعول عكسي، وأنّ مرحلة ما بعد داعش في العراق ستكون أصعب على الأحزاب الشيعية الحاكمة.

وسيعني الاستقرار “المفترض” تحقيقه في العراق بشكل آلي انخراط مناطق ومدن شمال العراق وغربه، في موجة الاحتجاجات العارمة التي تقتصر حاليا على بغداد وعدد من مدن ومحافظات الجنوب المستقرّة.

ويرى المحللون أنّ المواطن العراقي اجتاز خلال المرحلة الماضية عتبة الخوف وكسر جدار الصمت، وما عاد من الممكن أن يسكت خلال الفترة القادمة.

ويتوقّع أن يصرّ العراقيون في حال تحقيق انتصار ساحق على تنظيم داعش على محاسبة السياسيين الذين قادوا البلد إلى هذا الوضع وتسببوا في انهيار اقتصاده وقواته المسلّحة حتى انتهى الأمر بما يفوق ثلث مساحة البلاد محتلة من تنظيم داعش.

 

العرب