إنتهت الإنتخابات البلدية والإختيارية في لبنان، وكانت محطتها الأخيرة في الشمال بعد بيروت والبقاع وجبل لبنان والجنوب، وقد أفرزت هذه الإنتخابات تركيبة جديدة للمجالس الإختيارية في كل المناطق، وفيما حافظ بعض المخاتير على عملهم فاز آخرون جدد ليبدأون تجربتهم الجديدة في العمل الإختياري.

ينتخب اللبناني مختار بلدته أو مدينته وهو لا يعرف عن مهمة المختار سوى حاجته إليه في تقديم طلب إخراج قيد أو هوية أو إفادة سكن وغير ذلك من الأوراق الرسمية، فيما تعتبر صلاحيات ومهام المخترة أكثر من ذلك بكثير إذ يعتبر المختار من وجهاء البلدة أو المدينة وبيده مفاتيح الحل والعقد في حالات الأحدث والمشاكل الطارئة.

  تسمية المختار: وقبل التطرق إلى مهام وصلاحيات المختار يجب أن نعرف أصل التسمية والهدف منها .

 يعود تاريخ المخترة الى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عندما أصدرت الدولة العثمانية قانون الولايات عام 1864.

بموجب هذا القانون جرى تقسيم الدولة العثمانية إلى ولايات، والولايات قُسِّمت إلى ألوية (جمع لواء).

والولاية تدار على يد متصرف يعين من قبل الباب العالي في إسطنبول، وكل اللواء يقسّم إلى أقضية أما الأقضية فقسمت إلى نواحي (جمع ناحية)، وتدار على يد مدير الناحية. وتضم الناحية عدة قرى، ينوب في كل منها، عن مدير الناحية، احد سكانها يعرف باسم "المختار"، وهو الذي يدير شؤونها.

ويتم اختيار المختار من قبل سكان القرية، بإشراف مسؤول حكومي كمدير الناحية او القائم مقام، حيث يطلب من سكان القرية ترشيح أشخاص بالغين، ويقوم باختيار ألأفضل منهم، وفق معايير محددة، من أهمها أن يكون المختار من أصحاب الأملاك، ومن عائلة أو عشيرة كبيرة، وان يتصف بالحكمة والذكاء والدهاء والفطنة، وان يكون كريم النفس جواداً وصبوراً ذا مهابة، له شخصية كبيرة، ويُحسب له كل حساب، ويجيد تدبير الأمور، ويلقى قبولا حسناً لدى سكان القرية.

من هنا جاءت تسمية المختار بهذا الاسم. وكانت شخصية "المختار" جزءاً من النسيج الاجتماعي اللبناني، خاصة في مناطق الأرياف، تجتمع فيها الكثير من الصفات والخصال الحميدة، وتجسد واقع المجتمع الذي تعيش فيه، فكان لكل قرية مختار او اكثر، وذلك حسب عدد نفوس القرية، وغالبا ما كانت أعمار المخاتير كبيرة نسبيا، ذلك انه كان من أهم وظائف المختار هو حلّ النازعات بين الناس، وتمثيل البلدة أمام الجهات العليا في الدولة، وبناء علاقات متينة وصلات قوية مع كَثير من المسؤولين، وذلك ليتمكن من خدمة بلده وأهلها.

  ويمثل المختار سكان قريته او عشيرته أمام الجهات الحكومية، وهو حلقة الوصل بين سكان القرية والجهات الرسمية، والعين الساهرة على مصالح أهلها، ناهيك عن اعتبار وظيفة المختار نوعا من الوجاهة والمكانة الاجتماعية، حيث يعتبر المختار من الناحية العشائرية من أبرز وجهاء القرية.

هكذا كان المختار وجه اجتماعي معروف. بيته يسمى بيت المختار، وزوجته زوجة المختار، وأبنه ابن المختار، وابنته بنت المختار، ونسيبه نسيب المختار، وجاره جار المختار وهكذا . وكان بيت المختار أو مضافته مقصداً للضيوف والوفود الرسمية والشعبية وعابري السبيل، وكان عليه استقبال رجال الشرطة، الذين كانوا لا يدخلون بيتاً من بيوت البلدة إلا والمختار معهم.

وكان عليه أن يستضيف ممثلي السلطة القادمين إلى القرية، وتقديم وجبات الطعام لهم، وتأمين المبيت لهم إذا اقتضت الضرورة ذلك. ومن اجل ذلك كان أقاربه ورجاله يعينونه على ذلك.

كما كان عليه الالتقاء بالحاكم الإداري او متصرف المدينة، ليعرض أمامه احتياجات أهل القرية، ويسعى لتلبية احتياجاتهم في نطاق قدرته وصلاحياته.

وفي الكثير من الحالات كان منصب المختار وراثيا للابن او الأخ او اقرب الأقربين وكانت السلطات التركية في بدايات القرن الماضي تكلّف المخاتير بإعداد قوائم عن الأشخاص الذين تشملهم الخدمة العسكرية الإجبارية وتسليمها للجهات المختصّة، حيث كان يحتفظ المختار بسجلات للسكان، ويعرف الأشخاص الذين بلغوا سن الخدمة العسكرية الإلزامية.

وكان المختار في العهد العثماني يتم اختياره من بين أكثر الأشخاص قبولاً واحتراما بين الناس، وله منزلة اجتماعية محترمة في نفوس أبناء العشيرة أو القرية، وهو أعرف الناس بشؤون المنطقة التي يعيش فيها.

كما أن المختار إلى جانب كونه وجها إجتماعيا معروفا، شكّل أهمية بالغة من الوجهة السياسية، فكانت مجموعة المخاتير تمثل الحكومة في المنطقة وممثلة للسلطة السياسية، فلكل عشيرة مختار يمثل أفرادها التي ينتمي إليها أمام الجهات الرسمية.

  المجالس الإختيارية وعدد المخاتير في لبنان:

في لبنان يتألف المجلس الاختياري في المدن والقرى من مختارٍ وثلاثة أعضاء، أما في الأحياء فيتم انتخاب مختار بدون أعضاء اختياريين، ويُنتخب المختار والأعضاء الاختياريون لمدة ست سنوات ويبلغ عدد المخاتير في لبنان نحو 2,387 مختاراً يتوزعون وفقاً للمحافظات والأقضية.

  وتضم مدينة بيروت أكبر عدد من المخاتير (108 مخاتير)، وطرابلس (51 مختاراً)، صيدا (23 مختاراً)، بعلبك (18 مختاراً)، صور (16 مختاراً)، زحلة (16 مختاراً)، الميناء (12 مختاراً)، بنت جبيل (11 مختاراً)، زغرتا (11 مختاراً)، بريتال (10 مخاتير)، عاليه (10 مخاتير)، النبي شيت (10 مخاتير)، النبطية (10 مخاتير)، المنية (10 مخاتير).   

مهام المختار :

إضافة إلى المهام الروتينية العادية للمختار وهي المهام التي عرفها الناس و اعتادوا عليها فإن ثمة مهمات أخرى للمختار ومنها  معاملات السفر، معاملات حصر الإرث، عقد رهن أو بيع، التصديق القانوني على الإمضاء، إعطاء شهادة تختص بإثبات حجز الأملاك، تسجيل قائمة جرد التركة، حصر الأملاك، وكذلك للمختار مهمات كثير تتعلق  بالأحوال الشخصية، كالمحافظة على سجل نفوس القرية أو المحلّة وقيد جميع الوقوعات الجديدة التي تبلغ إليه من دائرة النفوس، والتصديق على وثيقة الزواج أو الطلاق أو فسخ الزواج، وغيرها.

بالإضافة إلى مهمات تتعلق بالشؤون المالية، كمساعدة الجباة ومعاونتهم في إستيفاء الضرائب وإجراء معاملات الحجز على أملاك المكلفين ومساعدة مأموري المالية وإدارة حصر التبغ والمسكرات في القيام بوظائفهم في المنطقة، فضلاً عن مهمات تختص بشؤون العدلية والشؤون العقارية والزراعية والصحية والمعارف والفنون الجميلة، مثل حض الأهلين على إرسال أولادهم إلى المدارس وحماية المباني الأثرية وغيرها .