ولَو يا جوزيف... اعتقدنا أنك تحترم أعيننا وثقافتنا مثلما نحن نحترم صوتك ومسيرتك. ونتساءل: من هو ذاك الذي أقنعك بأنّ الفنان الأميركي جاستين بيبر مرجعية فنيّة أو أيقونة ثقافية لا بدّ أن تتمثّل بها؟

  أولم يُخبرك أنّ بيبر ليس سوى ثقب في الحضارة الأميركية، ونجاحه الباهر هو أكبر دلالة على الانحطاط وقلّة الذوق التي وصلت إليها البشرية. ونتساءل: هل هذه هي الصفات والمبادئ التي كافحت لتصِل إليها؟

  في صيف عام 2014 أطلقت فيديوكليب أغنيتك "حلوة" وكسّرت بها الأرض بعد أن رقص على أنغامها اللبنانيون والعرب على الشواطئ والبيسينات، لكنك كسرتَ معها عُرف الأصالة (Originality) وهَشّمت وجه الإبداع اللبناني بِنَسخك الفيديوكليب كما هو عن كليب "Beauty and the Beat" لـ جاستين بيبر.

  في صيف عام 2016 أطلقتَ فيديوكليب أغنيتك "ياي" وتتحضّر لتكسّر بها الأرض أيضاً حتى يَفقش مَوجها على شواطىء الجماهير... لكن مهلاً، هذا الفيديوكليب منسوخ أيضاً عن فيديوكليبين لـ جاستين بيبر، هما: "What do you mean" و"Purpose".

إنو "Come on man" نحنا مش عميان، وفي عنّا "يوتيوب" بالبيت وعند طانط جاكلين كمان... ما تكون مفكّرنا مطروبين عالترانزيستور.  

نحنا ما بدنا نسمّي كرمال ما ياخد عَ خاطرو الفولكلور اللبناني والدبّيكة تَبَعو، أو تِنقطِش مسبحة التراث... لكنّ اللبناني تربّى في الستينات والسبعينات والثمانينات على سماع أغنيات كبار الملحنين وصانعي مجد الأغنية اللبنانية، والتي اكتشفنا أنّ كثيراً منها مسروق ومقتبس ومَنقول عن أعمال أجنبية، وأصبحت من دون إذن أو دستور جزءاً من ثقافتنا وغصباً عنّا... لكنّ الحقّ هنا كان على جهل أجدادنا وأهلنا وضعف إرسال ثقافتهم وبطء "داونلود" الجحش الذي كانوا يَمتطونه إلى العمل.

  لكن اليوم، وبوجود "غوغل" و"يوتيوب"، حتى الغشيم يمكنه أن يَحشرك في أقرب زاوية ويدخل معك في نقاشات ثقافية وفنيّة تقشَعِرّ لها أبدان الغيتارات، ولم يعد من السهل تمرير ضربية فيديوكليب من هنا أو أغنية من هناك، فحتى نجوم الصفّ الأول أصبحوا مكشوفين وباتت كلّ أعمالهم المنقولة عن لحن تركي أو يوناني معروفة.  

رياح العولمة مَزّقت كلّ الخيَم المنصوبة فوق رؤوس الجميع، ولم يعد أحد، مهما علا نجمه، منزّهاً عن النقد الذي يمكن أن يساهم في المحافظة على فرادة الانتاجات اللبنانية.  

جوزف عطية يمتلك واحداً من أجمل الأصوات اللبنانية، وأخلاقاً لا ينافسه أحد على استقامتها. وإذا كان الهرم الفنّي الذي يبنيه عطية مكتوباً له أن يصمد في مستقبل الفنّ اللبناني، فلا بدّ أن يتمّ بناؤه بعناية فائقة، لأنّ كلّ حجر في غير مكانه يهدّد الكيان برمّته... فحرام عليك أن تفرّط ولو ببحصة.

 

( الجمهورية)