فيما يلي الرسالة التي وجهها الأمام السيد موسى الصدر لأهالي وعائلات بعلبك الهرمل يناشدهم فيها التخلي عن عادة الأخذ بالثأر ورفض هذه العادة والتحرر منها .

وكان الإمام المغيَّب السيّد موسى الصدر قادَ في الماضي حملة واسعة للقضاء على العادات السيّئة الّتي تكرّس الانقسام وتحول دون تطوّر المجتمع ورقيّه.

ومن ذلك دعوته أبناء العشائر في منطقة بعلبك ـ الهرمل إلى أداء قسم “يمين الوفاء” لميثاق يؤكّد التزامهم عدم حماية القاتل في عشيرته، وعدم أخذ الثأر من أقربائه الأبرياء.

وكان له نداء إلى أهالي بعلبك ـ الهرمل، لكي يطفئوا “شهوة الدم” ويقبلوا أن يكون هو الضحيّة ويأخذوا الثأر منه، أو يلتحقوا بـ”نهر الدم المقدّس في مسيرة الفداء على دروب القدس“.

وفي مرجة رأس العين في بعلبك، في تموز 1970 ولمناسبة مرور سنة على تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، عُقد لقاء ضمّ ألوفاً من المواطنين من جميع العشائر، وشارك فيه جميع رجال الدين من كافّة الطوائف، وقرأ الإمام الصدر نصّ اليمين على تنفيذ هذه البنود وردّدها جميع الحاضرين.

فكان أنْ وقّع نحو 1500 شخص من وجهاء المنطقة على وثيقة الالتزام بتَرك هذه العادة، وأقسموا اليمين على ذلك.  

وجاء في هذه الرسالة :

  يا ابناء بعلبك الهرمل في هذه الأيام النازفة بالدم، المصبغة وطنكم الجريح، وفي هذه الليالي الثاكلة تلف اليتامى والأيامى وفاقدي الأحبة والمعيلين بهمومها وأحزانها الخرساء، تأخذ الغصة بحلقي والشوك بوسادي وقيامي وسجودي وأنا أتساءل وأسأل : ماذا يعني تصعيد موجة الأخذ بالثأر ؟ وما مبرر الإنتقام من جرائم قديمة ؟ وهل من حق جاهل موتور أن يصيب أمن قومه ، وأنتم راضون ؟ أم يكون من حق غر مغامر أن يتهم ، ثم لا يحاكم ، بل يحكم وينفذ ، وأنتم ساكتون ؟ أم يكون من المصلحة والوطن والمواطنون يعقدون الأمل على طاقاتكم الكبيرة ، أن تهدروها على أرجاس النفس الأمارة بالسوء ، بدلاً من صرفها في مرضاة الله الذي ينتظركم في الآخرة ، وفي إحتياجات الإنسان لها ، في هذه  الدنيا ؟ والشعب الجريح ، والأرض المحتلة ، والكرامة المسلوبة ، والنوم الهارب من العيون ، والجوع الزاحف إلى البطون ، والقلق ، وعتمة المصير ، كلها كلها .. لا تعني لكم شيئاً ؟ ولا يعنيكم سوى عبادة أصنام الجاهلية ، ومزاولة شياطين الحقد ، والإصغاء إلى يوم القبور الناعية في عرس الثأر الجبان ؟!

يا أبناء بعلبك الهرمل الأبطال أنتم يا آل الحاج حسن في شعت ورعيان, ورسم الحدث, والشواغير, لماذا لاتصرف كثرتكم الشجاعة على حدود الوطن الحزين؟ وانتم يا آل زغيب, أين العلم والدين وتقوى الله؟ وانتم يا آل شقير, ويا آل الجبلي, أين الجباه التي عليها آثار السجود؟ وانتم يا آل دندش, وشمص, وجعفر وعلو, أهكذا صار إليه تراثكم في كفاح المستعمر والمحتل والدخيل والمطامع؟.. وانتم يا اهالي بريتال, أهكذا صارت قلعة الوطنية ومعقل الرجال؟.. وأنتم يا آل حيدر, وياغي, أتنتظرون مني درسا في كيف تبنى الأوطان, وتصان؟.. وأنتم… وأنتم…؟ يا أخواني في بعلبك والهرمل: أين عقلاؤكم يردعون السفهاء حتى يكفوا, أو يموت العقلاء فدية للإنسان, والمواطن, ومكارم الخلق العظيم… أين المشاعر المرهفة؟ أين العقول النيرة؟ أين الأيدي والألسن المتحركة الحازمة؟ أين الرجال المسؤولون ؟ أين أوتاد الأرض؟ أين معقد الرجاء؟ أين الامل؟… نحن هنا, في بيروت, في الشمال, في الجنوب المهدد, في القرى المحطمة, بين المشردين, في بحر المشاكل الهائج ننظر اليكم أيها الشرفاء. نحن ننظر إلى الليل المظلم, وقد كنا نرتقب فجره, فاذا به يزداد ظلاما, ويتغلغل في أعماق تلك المنطقة العزيزة لينعكس على عيوننا حزنا وقلقا, وهاجسا لا يقر له قرار.. أصدقاؤكم: أيها الأخوة في مأتم, وعدوكم متربص, والشامتون يملأون الدروب, فهل تسمعون؟ وإذا غابت الدولة عنكم, بسبب من ذعر, أو انهارت بسبب إملاق من أخلاق, وإفلاس من رؤيا, فهل تغيبون أنتم عن أنفسكم, عن أمنكم, وسعادتكم وشرفكم وإنسانيتكم, ومواطنيتكم؟.. إذا مات القيمون عليكم, فهل تسيبون في مسارب النسيان والتيه والمجزرة؟ هل انتم سفهاء أو صغار حتى تضيعوا إذا ضاع الحكم؟.. وحتى الآخرون؟.. هل الموجة الرابعة تستثني أحدا من الغرق فيها؟ هل تقدير الحقوق والقيم والكرامات, متروك للظلمة والجهال والأوباش؟ هل في تاريخ الأنياب والأظافر مثيل لهذه التمزقات, التي تفطر القلوب وتشقق الضلوعظوهل أيها الناس, تسكتون عن الحق وتنسون أن الساكت عنه شيطان أخرس؟. .

أما بعد, فلكم أيها الشجعان اختيارات ثلاثة, حتى تعودوا إلى الصلح, وتفيئوا إلى أمر الله:

1- إن كنتم ترمون المال والمتاع, فأتيحوا لي فرصة جمعهما من كرام أخوانكم في أقاصي الأرض, حتى أضعها بين أيدي الديات والضحايا, وأرميها حجرا أخيرا على قبر النزاع والخصومة والهمجية.

2- وإن كنتم تريدون الحب, فاعتبروني واحدا منكم نمشي بمسيرة الفداء على دروب القدس, وليسقط منا من يسقط, في نهر الدم المقدس.

3- وإن كنتم تشتهون الدم, لمجرد شهوة الدم, فهل لكم أن تقبلوني أنا الضحية, وتأخذوا الثار مني, وتطفئوا هذه الشهوة بدمي, والله على ما أقول وكيل وشهيد.

أما إن رفضتم الثلاثة واعتصمتم بقلعة الشيطان, أشهدت ربي أنكم الظالمون, ولعلكم تعودون عن ذلك إن شاء الله.

وتضمّن ميثاق بعلبك للتخلّي عن عادة “الأخذ بالثأر” الآتي:

- كلّ شخص يرتكب أيّ جريمة مهما كان نوعها ومهما كانت دوافعها نكون بريئين منه ومن عمله ويكون وحده مسؤولاً عمّا اقترفت يداه.

- إنّ مرتكب الجريمة كائناً من يكون، وإلى أيّ عشيرةٍ أو عائلةٍ انتمى، يُعتبَر منبوذاً لدى الجميع، وخصوصاً لدى أبناء عشيرته أو عائلته، ويُحرم من كلِّ عون أو مساعدة، مادّيةٍ كانت أو معنويّة، كما يمتنع الجميع عن إيوائه أو التستّر عليه، بل نكون جميعاً ضدّه وحرباً عليه.

- يُلاحَق المجرم شخصيّاً ولا يؤخذ بجريرة عمله أيّ إنسان آخر من أقربائه أو ممّن يمتّ إليه بصلة مهما كانت درجتها، وتكون المسؤوليّة كاملة على من يطالب بريئاً بذنب مجرم.

- كلّ من يخالف هذه القاعدة أو يشذّ عنها لا يحقّ لعائلته أو أيٍّ من أقربائه مناصرته أو تأييده أو المطالبة به والمحافظة عليه، بل يكون كلّ منّا ومنهم خصماً له“.

وقّع الميثاق العشائر: جعفر ـ ناصر الدين ـ علاّم ـ شمص ـ دندش ـ علّو ـ علاء الدين ـ شريف ـ مقداد ـ زعيتر ـ أمهز ـ الحاج حسن ـ فخر الدين ـ الحاج حسين ـ سجد ـ المولى ـ شعيب ـ عبيد ـ رشعيني ـ حمادة ـ الهقّ ـ غصن ـ عوّاد ـ مدلج ـ نون ـ المصري… ومن العائلات المسيحيّة: كيروز ـ رحمة ـ طوق ـ حبشي ـ جعجع ـ عماد ـ فخري ـ حدشيتي