أولاً: جورج عدوان في ركاب بشير الجميل..

كان جورج عدوان قائداً مرافقا لقائد القوات اللبنانية إبان الحرب الأهلية،بشير الجميل، رئيس الجمهورية المُنتخب، والذي لم يتسلم مهامه، فقد قُتل في انفجار مُدبّر. وكان الجميل رأس الحربة للمشروع الانعزالي، المواجه لمشاريع الحركة الوطنية اللبنانية المتداخلة مشاريعها تلك الأيام مع مشاريع المقاومة الفلسطينية بقيادة الراحل ياسر عرفات على أرض لبنان. أمّا "الانعزالية" فهو مفهوم نحته مُنظّرو الحركة الوطنية ورفعوه ضد كل من يغرق في سجن "لبنانيته"، ويتوهم عزل لبنان عن محيطه العربي الملتهب بالثورة بعد هزيمة عام ١٩٦٧ ، وانطلاق العمل الفدائي ضد إسرائيل، وتشاء ظروف المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية أن يشهد لبنان تمركز القوة الفلسطينية الضاربة على أرضه، فصائل وقادة ومقاتلين. خرج المشروع المقاوم لاستباحة الفلسطينيين لسيادة لبنان وشرعية دولته من المنطقة الشرقية لمدينة بيروت بقيادة أحزابها اليمينية: الكتائب والأحرار.

وكان بشير الجميل ،الكتائبي الصاعد، الذي اسّس ما يُعرف حتى اليوم بتنظيم "القوات اللبنانية"، وقد امتاز بشير الجميل بعنفوانية الثائر والمدافع بلا هوادة عن سيادة لبنان وكيانه ووجوده، وهو صاحب الشعار الشائع: ١٠٤٥٢ كلم مربع مساحة لبنان التي يجب أن تُصان. وتاريخ الكتائب وبشير يحمل بصمة التعامل مع الكيان الإسرائيلي. وقد بُرّرت تلك المواقف حينها بضراوة الحرب الأهلية وطائفيتها وماساويتها ، وضرورة المحافظة على الوجود المسيحي في لبنان، والذي تعرّض خلال الحرب الأهلية لاختبارات قاسية ومصيرية.

وكان جورج عدوان مرافقاً أميناً لبشير الجميل مع القادة الآخرين، وأبرزهم الدكتور سمير جعجع، قائد القوات اللبنانية الحالي، إلاّ أنّ مسيرة بشير ونهجه يختلفان جذريا عن ما انتهى إليه جعجع ومرافقه النائب عدوان، فبشير ،وكما سبق وقلنا، امتاز بعناده المبدأي، وبصلابته المدهشة في وجه الفلسطينيين والسوريين، ولم تدخل في حساباته أيّة مساومة على مصير لبنان وسيادته، ولعلّ وقوفه في وجه أطماع إسرائيل بشخص رئيس وزرائها عام ١٩٨٢ مناحيم بيغن خير دليل على ذلك، ويذهب البعض إلى أنّهُ ربما قضى بسبب هذه المبدأية والعناد، ولا يستبعد البعض أن يكون قد تمّ التنسيق للخلاص منه بين الإسرائيليين والسوريين في تلك الأيام الحالكة.

ثانياً: جورج عدوان في ركاب سمير جعجع.. يسير عدوان هذه الأيام في ركاب جعجع، ومع أنّ البعض حاول الإيحاء بأنّ عدوان لم يكن مرتاحاً لتأييد جعجع لميشال عون في موضوع الانتخابات الرئاسية، إلاّ أنّه سرعان ما بدّد هذه الشائعات والأوهام، وبارك خطوة زعيم القوات. وبما أنّه يظهر هذه الأيام كثيرا للمدافعة عن مواقف القوات السياسية وتأييدها، فقد اضطرّ اليوم للرّد على النائب أحمد فتفت، الذي أعترض بشدّة على إصرار السيد حسن نصرالله على "تعيين" عون رئيساً للجمهورية، فقال عدوان :ميشال عون يحظى بتأييد غالبية المسيحيين، وهو بذلك ينضم، ولو مواربة، إلى تحالف عون نصرالله، فيؤيّد مواقف سيّد المقاومة، وسيد عون، وسيد فرنجية، وسيد جعجع، وسيدنا جميعاً.

واللافت هذه المرّة أنّ عدوان لم يتّهم حزب الله بالتقاعس عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولم يحثُّه على لوي عنق حلفاء الحزب وجرّهم عُنوةً إلى مجلس النواب لأداء دورهم المفترض وتعيين زعيم الرابية وزعيم الضاحية وزعيم معراب "السلطان الأعظم" لدولة لبنان الكبير، وهذا ربما يستدعي قبل مطّ الشفتين، التّرحم على بشير، رئيس الجمهورية الذي انتُخب ولم يتسلّم مقاليد الحكم، فقُتل غيلةً ، ومن ثمّ الدعاء بطول العمر، لمن بيده مقاليد الحكم، وذلك قبل أن يُنتخب.