السؤال الذي طرح بقوة مع بدايات ما سمي تسامحا بعصر النهضة في المجتمعات العربية، بالخصوص بعد انكشاف الفارق الحضاري الهائل بين واقع الغرب وما هم عليه من جهة، وبين الواقع العربي وغرقه في مستنقع العفن والتخلف والامية من جهة ثانية، هذا الفارق الحضاري الضخم، والذي تكشف بشكل فاضح عندما غزى نابليون القاهرة 1798 حيث اتى بالعلماء المتضلعين بشتى حقول المعرفة ليتضح بما لا يبقى معه مجال للشك، الفارق الحضاري في المجال التقني والعلمي بين الغرب والمجتمعات الاسلامية مفتتحا النقاش المحتدم منذ ذلك الحين وإلى الآن حول إشكاليات التقدم والتأخر والإنحطاط في الفكر الاسلامي .

عجز جمع غفير من المفكرين العرب والاسلاميين، وذهبت كل جهود الافغاني والطهطاوي ومحمد اقبال وعبد الرازق والنائيني وغيرهم أدراج الرياح، وفشلوا في عملية التجسير بين ما وصل اليه الغرب من رقي وسمو حضاري وبين ما نحن عليه جهل ورجعية .

وبالأمس تحديدا قد تجلت هذه المفارقة وأبدت بوضوح عمق الهوة التي تتمظهر يوميا في أشكال متعددة ومشاهد لا تعد ولا تحصى، وبرز جانب من الجواب الذي شغل بال الكثير من المفكرين عن الأسباب التي تقف خلف تقدمهم وتخلفنا.

  ففي حين كان المجتمع اللبناني مشغولا بحدثين كبيرين واحد هو جريمة الثأر المروعة التي أقدم عليها والد الشهيد في الجيش اللبناني محمد حمية المدعو معروف حمية وقتله عن سابق تصور وتصميم الشاب حسين الحجيري وتناقلت صفحات التواصل الإجتماعي والإعلام وانقسم المجتمع للأسف بحيث تواجد بين ظهرانينا من هو مؤيد للجريمة ومدافع عنها ويجتهد لتبريرها ليذكرنا بذلك أننا لا نزال في عصور ما قبل الجاهلية .

والحدث الثاني هو العرس الأسطوري لنجل الوزير اللبناني الاشتراكي غازي العريضي، وما حكي عن أموال طائلة صرفت على تكاليفه بحيث بلغ ثمن الحلوى والشوكولا الفرنسي فقط 150 الف دولار أميركي، وقيل أن التكلفة الاجمالية للعرس بلغت 4 ملايين دولار،  وبين الخبرين وتفاصيلهما وما يحملان من دلالات وأبعاد وما يؤشران عن بعد ثقافي وفكري وما وصلت إليه الحال في المجتمع اللبناني والدولة اللبنانية والانتظام العام وما وصلت اليه حالة الوعي الشعبي كعينة عن المجتمعات العربية والاسلامية بشكل عام، في خضم هذين الحدثين كان المجتمع البريطاني يضج هو الآخر بحدث من نوع مختلف له أيضا ما له من دلالات. 

فما إن نشر رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون صورة له من داخل مكتبه وقد ظهر صدفة بخلف الصورة ماكنة صغيرة لصنع القهوة حتى اجتاحت صفحات تواصل الإجتماعي سيول من التعليقات والنقد والتساؤلات عن مبرر وجود هذه الآلة.

 والسؤال الأكبر عن ثمنها البالغ 160 باوند ومن الذي دفع ثمنها نحن أو الرئيس ؟!

مما اضطر رئيس الوزراء البريطاني كاميرون للإجابة عن سؤال الجماهير ونشر توضيحا مرفقا مع الفاتورة ومبررا بشكل قاطع أن ثمن آلة القهوة إنما دفع من حسابه الخاص .

إن مجتمعاً لا يحاسب مسؤوليه ولا يجرم مجرميه قتلى كانوا أو سارقين مواطنين كانو أو بمواقع القرار هو مجتمع لا يمتلك خاصية الحياة وسيبقى في قعر الحضيض مهما شنف البعض اذاننا بالرقي والقيم والانتصارات الفارغة, والبداية تكون من أصغر الأمور حتى ولو بحجم آلة لصنع القهوة .