تمهيد: ظهر السيد موسى الصدر( المُغيّب منذ العام ١٩٨٢) في لبنان اواسط الستينات ليملأ فراغاً دينيا ً تركه غياب الراحل السيد عبد الحسين شرف الدين ، والراحل الشيخ محمد جواد مغنية ،وغيرهم من رجال الدين الشيعة، في جبل عامل تحديدا، وقد رافقت ظهوره التباسات عديدة، ما زال بعضها لُغزاً حتى اليوم، وتتعلّق بمنشأه وعقيدته الدينية والسياسية معاً، وعلاقاته الشخصية مع رجال الدين ،الإيرانيين والعراقيين على حدٍ سواء.

    أولاً: الاشتباك المبكر مع الأسعد والأحزاب الوطنية.. تنافرت أهداف السيد الصدر مع زعامة رئيس مجلس النواب الراحل كامل الأسعد ،غداة اتضاح أهداف الصدر في المزاحمة على زعامة الطائفة الشيعية، ووضع الصدر نُصب عينه دخول الحلبة السياسية عبر إنشاء المؤسسة الدينية،التي ستحمل فيما بعد اسم" المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى"، بدعوى تحصيل حقوق الطائفة المحرومة، وذهب بعد إنشاء المجلس إلى تكوين حركته التنظيمية، وأطلق عليها اسم" حركة المحرومين". إلاّأنّ اشتباكه مع الأسعد ظلّ في حدود ضيّقة،بعد أن تمكن من إطلاق دينامية عمل المجلس الشيعي من جهة، ونشاط الحركة السياسي من جهة أخرى.أمّا الاشتباك مع القوى الوطنية الفاعلة داخل الطائفة الشيعية، والمُوزّعة داخل الأحزاب العلمانية والقوميةفقد كان هذه المرّة ضارياً، واشتدّ بعد تغيبب السيد الصدر قسرياً عام ١٩٧٨ فدخلت الحركة في تبعية مشبوهة مع نظام حافظ الأسد في سوريا، لعبت خلاله حركة أمل دور رأس الحربة في المواجهة العسكرية مع أحزاب الحركة الوطنية المتحالفة مع المقاومة الفلسطينية.


إلى أن خلت لها الساحة بتصفية المقاومة الفلسطينية وإخراجها من لبنان على أثر الاجتياح الإسرائيلي عام ١٩٨٢، وكسر ظهر الحركة الوطنية اللبنانية بعدها، ودخول العامل الإيراني الكاسح إلى الساحة اللبنانية، والذي تبلور فيما بعد بحزب الله، شاغل الدنيا والناس جميعا هذه الأيام.

  ثانياً: حركة المحرومين بمواجهة المحرومين.. يقوم بين حركة أمل وحزب الله تحالف مُعلن، إلاّ أنّه في جوهره التحاق شبه كامل،فالحزب يُطبق سيطرته على معظم مفاصل الطائفة الشيعية، سياسيا واجتماعيا وخدماتيا، ويطبق هيمنته على معظم مفاصل الدولة، وبالتحاق الحركة به، يتمّ منع وخنق أي صوت معارض داخل الطائفةلهيمنة الحزب وسيطرته، وقد برّر أقطاب الحركة هذا الاستتباع المكلف، بأنه يجري رغما عنهم، وأطلقوا حُججاً واهية، أبرزها منع الصدام المسلّح، وحقن دماء أبناء الطائفة، وظهر تهافت هذه الحُجة، وسكت حامل الأمانة عن أمانة الذين يُقتلون في كهوف الأزمة السورية، أم أنّ الذين "يستشهدون" في سوريا ليسوا من أبناء الإمام المغيب؟ أو أنّ الذين يتعرضون لمحدلة الثنائية ليسوا من أبناء الصدر؟، والذين تُكتم أصواتهم، وتهانُ فعالياتهم ليسوا من أبناء الصدر. وهاهم الذين حمّلهم الصدر أمانة المحرومين يقفون في وجههم، ليزيدونهم "حرماناً" إضافياً، في حين يرتع " الذين كانوا محرومين" بخيرات السلطة ومنافعها وأموالها الفاسدة، في حين يرتع" المقاومون" الذين أسبغ الله عليهم بنعمة الأموال الطاهرة، وبين "حانا ومانا" ضاعت لحى "المحرومين" بين أحلام الإمام الغائب وسلطان حامل الأمانة المعظّم.

  رحم الله الشاعر الذي لاحظ فقدان العلف اللازم للخيل إبانّ المعركة: ألا ليت اللحى كانت حشيشاً فنعلفها خيول المسلمينا.