تسجّل القوات العراقية المدعومة بالفصائل الشيعية المسلّحة، تقدّما ملحوظا في معركة الفلوجة تحف به مخاطر كبيرة على المدنيين العالقين في المدينة الواقعة تحت سيطرة داعش منذ أكثر من سنتين.

وأعلنت مصادر طبية من مستشفى الفلوجة التعليمي سقوط عشرات الضحايا من المدنيين إثر القصف المدفعي والجوي المتواصل على أحياء ومناطق عدة في المدينة أغلبهم نساء وأطفال، مؤكدة أن إصابات الجرحى خطرة وبحاجة إلى عمليات جراحية كبيرة يفتقد إليها مستشفى الفلوجة الخالي من الأدوية والمستلزمات الطبية، وأن أغلب العمليات التي أجريت للمصابين تمت دون تخدير.

كما أعلن مجيد الجريصي أحد شيوخ عشائر الفلوجة الثلاثاء عن مقتل 10 مدنيين وجرح 25 آخرين جرّاء قصف عنيف بنحو 60 صاروخا نفّذته القوات العراقية ومقاتلي الحشد الشعبي على أحياء متفرّقة في المدينة.

ومن جهته طالب عضو اللجنة الأمنية في مجلس الأنبار راجع بركات العيفان، الثلاثاء، رئيس الوزراء حيدر العبادي بوقف القصف العشوائي للحشد الشعبي على الفلوجة.

وقال العيفان لوكالة الأنباء الألمانية إن “عناصر الحشد الشعبي قاموا بقصف الفلوجة بشكل عشوائي من الجهة الشرقية للمدينة”، مطالبا بعدم تدخل الحشد في استعادة المدينة.

ومع السيطرة المحكمة التي يفرضها تنظيم داعش على الفلّوجة وإقامته تحصينات متعدّدة داخلها وتفخيخه كلّ الطرق والممرات، يبدو التعويل على كثافة النيران خيارا أساسيا لمحاولة إرخاء قبضة التنظيم على الفلّوجة، وهو خيار لا يتناسب وحرب المدن وينطوي على مخاطر كبيرة على السكان.

وانتقد ضابط سابق في الجيش العراقي الذي تمّ حلّه على يد الولايات المتحدة بعد غزوها العراق في 2003، اتّباع هذا الأسلوب في حرب المدن، قائلا إنّه عبارة عن هدم للأحياء على رؤوس سكانها، ومشدّدا على أنّ ما طال المدن العراقية المستعادة من تنظيم داعش ناتج عن التعويل على كثافة النيران، بدل التعويل على فرق كوماندوس متخصصة في حرب المدن ومدرّبة على القتال من شارع إلى شارع ومن بيت إلى بيت.

وقال إنّ تشبّث داعش بالفلّوجة كمعركة حياة أو موت بالنسبة إليه، يوحي بأنّ دمارا هائلا سيطال المدينة يفوق الدمار الذي لحق بمدينة الرمادي المجاورة، مع فارق جوهري يتمثّل في أنّ مدينة الرمادي كانت حين اقتحمتها القوات العراقية في ديسمبر الماضي شبه خالية من السكان الذين تمكّن أغلبهم من المغادرة بينما مايزال في الفلّوجة ما بين خمسين ألفا إلى مئة ألف من المدنيين الذين منع داعش مغادرتهم.

كما خشي الكثير منهم – وخصوصا الشبان- الخروج من المدينة مخافة اتهامهم من قبل القوات الأمنية والميليشيات الشيعية المحاصرة للفلوجة بالانتماء لداعش ومحاولة الفرار من المدينة كنازحين، وفي أفضل الأحوال الخضوع للاحتجاز مطولا ولتحقيقات يستخدم فيها العنف في أغلب الأحيان.

واتهام أهالي الفلّوجة بالتواطؤ مع داعش أمر شائع بين قادة الميليشيات الشيعية، وقد نشط بشكل لافت بمناسبة إطلاق المعركة الدائرة حاليا.

وجدّد المتحدث باسم ميليشيا عصائب أهل الحق نعيم عبودي، الثلاثاء، هذا الاتهام لسكّان الفلّوجة بشكل صريح قائلا إن “أغلب عناصر داعش في الفلوجة هم من أبناء المدينة، وربما عشرون بالمئة فقط من العناصر هم من خارجها لكنهم يعرفون المنطقة جيدا”.

وبالتزامن مع تطورات المعركة على الأرض ينشط حراك إعلامي وسياسي لاستثمار معركة الفلّوجة من قبل الأحزاب والفصائل الشيعية، كون المعركة جاءت بمثابة متنفّس كبير لتلك الأحزاب القائدة للعملية السياسية في العراق والممسكة بدواليب الحكم والتي غرقت خلال الأشهر الماضية في أزمة غير مسبوقة بفعل تردّي أوضاع الدولة العراقية على مختلف المستويات وانسداد طرق الإصلاح ومحاربة الفساد ما جعل تلك الأحزاب التي يمتلك أغلبها ميليشيات مسلّحة على شفا صدام مسلّح داخل العاصمة بغداد، خصوصا بعد التراشق الصريح بين قياداتها بشأن المسؤولية عن الاختراق الأمني الخطير الذي شهدته العاصمة متمثّلا بسلسلة تفجيرات دموية أوقعت المئات من الضحايا بين قتلى وجرحى.

وسجّلت بغداد التي عرفت أيضا اضطرابات مرتبطة بالاحتجاجات الشعبية حضورا كثيفا للميليشيات الشيعية المسلّحة التي استدعيت من جبهات القتال ضدّ داعش بذريعة حماية العاصمة من التنظيم، فيما كان الدافع الحقيقي خوف قادة الفصائل من سيطرة منافسيهم على العاصمة باستخدام السلاح أو باستخدام المتظاهرين والمحتجين.

ووفق تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية، فقد منحت عملية استعادة مدينة الفلوجة من تنظيم داعش رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي متنفسا في الأزمة السياسية العاصفة التي تمر بها البلاد من خلال تحويل انتباه المطالبين بإصلاحات سياسية.

فانطلاق العملية العسكرية وفق ذات التقرير يمنح العبادي فرصة لتقديم نفسه كقائد عام للقوات المسلحة يقاتل الإرهاب في مقابل صورته كرئيس وزراء بمواجهة متظاهرين غاضبين اقتحموا مكتبه قبل أيام قليلة.

ونقلت وسائل الإعلام الاثنين لقطات للعبادي مرتديا زيا عسكريا للقوات الخاصة أثناء تفقده مقر قيادة العمليات في معركة الفلوجة.

ووضعت صور للعبادي على مواقع التواصل الاجتماعي مرفقة بعبارة “رئيس الوزراء يدير المعارك على الخطوط الأمامية للجبهة”.

وقال باترك سكينر الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سي اي ايه والعامل حاليا مع مجموعة صوفان الاستشارية إن الفلوجة “بالنسبة للعبادي، ليست مسألة إلهاء فقط. لكنها قد تظهر مستوى معينا من السيطرة الفعلية والقيادة لبغداد إذا تم تنفيذها بشكل جيد”. وتابع “إنها ليست مثل الحكم الرشيد لكنه يحتاج إلى كل ما يمكن الحصول عليه الآن”.

وبدوره رأى زيد العلي الأستاذ في جامعة برنستن أن العملية العسكرية في الفلوجة يمكن أن تسدي خدمة للعبادي لكن لوقت قصير.

وفي أوضح استثمار سياسي لمعركة الفلّوجة بادر رئيس المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم الثلاثاء بزيارة الجبهة المشتعلة حول المدينة، علما أنّ الحكيم يعتبر أحد أبرز أقطاب الصراع الشيعي الشيعي الدائر حاليا، وأنّه في مقدّمة صفوف المتصدّين لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي تحوّل بتزعمه الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح إلى خطر يهدّد مكانة العديد من الزعماء العراقيين الشيعة.

 
 
 

 

  العرب