دعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لتحريك عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هي أشبه بعملية إضاءة شمعة في ظلام هذا الليل العربي الدامس.

أدّت الحروب والاضطرابات التي تجتاح أكثر من بلد عربي، من اليمن شرقاً إلى ليبيا غرباً، إلى إقصاء القضية الفلسطينية عن الأجندات العربية، الرسمية والأهلية على السواء، حيث انصرف الجميع إلى متابعة الحرائق المشتعلة في الجسم العربي، فيما كان العدو الصهيوني يُمعن تقطيعاً في الأراضي الفلسطينية، وتقتيلاً في الشباب الفلسطيني، الذي يُسطّر بطولات خارقة، في مواجهاته اليومية لأعتى ترسانة عسكرية في الشرق الأوسط ، بالسلاح الأبيض... الذي قد يكون في الواقع أشبه بسكين المطبخ.

مبادرة الرئيس المصري جاءت في التوقيت المناسب، وانطلقت من المرجعية الصالحة والقادرة على إعادة الإمساك بقضية العرب الأولى، بعد عودتها إلى الوجدان العربي، الذي أنهكته الحروب الظلامية، مهما اختلفت تسمياتها.

والقول إن مصر تبقى هي المرجعية الصالحة والقادرة لا يحتاج إلى شرح وتبرير، لأن المواقف المصرية التاريخية من القضية الفلسطينية، وحجم التضحيات التي قدمها الشعب المصري لفلسطين، لا يحتاجان إلى إعادة تذكير وتسطير من جديد، فضلاً عن أن التجربة المصرية في المفاوضات الشاقة مع العدو الإسرائيلي لاستعادة سيناء وطابا إلى أحضان الوطن، أصبحت منهجاً أكاديمياً معتمداً في كثير من المعاهد الديبلوماسية والجامعات.

* * *

الواقع أن المبادرة المصرية الجريئة تؤكد على رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي للدور المصري على مستوى قضايا وهموم الأمة العربية من جهة، فضلاً عن تجديد إيمان القيادة المصرية بأهمية الأمن والاستقرار في الإقليم، في دفع عمليات التنمية، وتحقيق الرخاء المنشود لشعوب المنطقة، بعيداً عن منطق العنف، وأكلاف الحروب التي تبتلع الثروات الوطنية، وتدفع بالشعوب إلى غياهب القهر واليأس.

ولعل المحاولات المصرية المتكررة في بذل مساعي الوساطات بين «فتح» و«حماس» بهدف إنهاء الانشقاق في الصف الفلسطيني، تثبت أهمية النظرة الاستراتيجية المصرية للقضية الفلسطينية، التي مُنيت بخسائر فادحة، سياسية ودبلوماسية ووطنية، بسبب هذا الخلاف المستحكم بين «فتح» و«حماس»، وانسلاخ قطاع غزة عن السلطة الوطنية المركزية في رام الله.

لقد غاب العرب ردحاً من الزمن عن القضية الفلسطينية، فجاءت مخططات التمدّد الإيراني في الداخل العربي، لتملأ الفراغ الذي أحدثه الغياب العربي غير المبرّر.

فهل تكون مبادرة الرئيس المصري الجديدة بداية لإعادة الإمساك العربي بالقضية الفلسطينية، وتحريك المسار التفاوضي للوصول إلى سلام عادل ودائم وحقيقي بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟