أقر البرلمان التركي بغالبية كبيرة الجمعة إصلاحا دستوريا مثيرا للجدل يرمي إلى رفع الحصانة عن نواب مهددين بإجراءات قانونية بحقهم، ما يثير خصوصا قلق النواب الموالين للأكراد الذين يعتبرون أنفسهم مستهدفين.

وأعلن رئيس البرلمان إسماعيل كهرمان أن المشروع الذي قدمه الحزب الحاكم نال بالاقتراع السري تأييد 376 نائبا من أصل 550، أي ما يتجاوز ثلثي الأعضاء، ما أتاح إقراره بشكل مباشر. ولا يزال النص يتطلب موافقة الرئيس التركي ليدخل حيز التنفيذ.

وبذلك، بات بإمكان السلطات ملاحقة 138 نائبا من كل الأحزاب الممثلة في البرلمان، بينهم خمسون من أصل 59 ينتمون إلى حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد.

وتتنوع التهم الموجهة إلى هؤلاء النواب، وتتضمن تهما متعلقة بالإرهاب، والإهانة والتشهير والتهديد، والتزوير، والإشادة بالجرائم ، ومخالفة قانون الاجتماعات والمظاهرات، وانتهاك الخصوصية.

ويعتبر الحزب المذكور – الذي تتهمه السلطات التركية بأنه واجهة سياسية لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة وواشنطن وبروكسل منظمة إرهابية – أن هذا الإصلاح الدستوري يهدف إلى إقصائه من البرلمان حيث يشكل حاليا القوة الثالثة.

ويقول معارضو أردوغان إن رفع الحصانة هو جزء من استراتيجية لإقصاء حزب الشعوب الديمقراطي من البرلمان وتقوية وضع حزب العدالة والتنمية الحاكم وتعزيز الدعم في البرلمان للنظام الرئاسي الذي يتطلع إليه أردوغان منذ فترة طويلة.

وقال صلاح الدين دمرداش أحد زعيمي حزب الشعوب الديمقراطي هذا الشهر إن رفع الحصانة سيزيد العنف على الأرجح وسيخنق الديمقراطية. وكان النواب يتمتعون قبل إقرار هذا القانون بحصانة من المحاكمة. وسيتيح القانون الجديد للإدعاء ملاحقة أعضاء في البرلمان يواجهون تحقيقات حاليا. ويبلغ عدد هؤلاء 138 نائبا بينهم 101 من حزب الشعوب الديمقراطي وحزب الشعب الجمهوري وهو حزب المعارضة الرئيسي.

وقال حزب الشعوب إن الأغلبية الساحقة من نوابه وعددهم 59 قد يسجنون لآراء عبروا عنها، الأمر الذي يمكن أن يؤدي فعليا إلى القضاء على وجوده في البرلمان.

ومن شأن إضعاف حزب الشعوب أن يخل بتوازن البرلمان لمصلحة حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يشهد نقاشا حول تعزيز صلاحيات الرئيس بمسعى من أردوغان على وقع اتهامات يسوقها معارضوه بأنه ينوي إسكات أي صوت معارض.

وقبيل إعلان نتيجة التصويت، أشاد أردوغان بما اعتبره “تصويتا تاريخيا” على هذا التعديل المثير للجدل والذي أدى إلى عراك خلال القراءة الأولى له أمام لجنة نيابية.

ويأتي إقرار هذا التعديل الدستوري في وقت تجددت فيه في جنوب شرق تركيا ذي الغالبية الكردية المعارك بين المتمردين الأكراد وقوات الأمن. ويتهم المسؤولون الأتراك عددا من نواب حزب الشعوب الديمقراطي بدعم المتمردين، الأمر الذي ينفونه.

وبين النواب المعرّضين لملاحقات قضائية زعيما حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دمرداش وفيغين يوكسكداغ.

وشكل هذا التصويت اختبارا لوحدة الحزب الحاكم بعد أسبوعين من إعلان انسحاب رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو من الساحة السياسية بسبب خلافاته مع أردوغان. ويرى المراقبون أن التصويت بالاقتراع السري كان يمكن أن يعكس الانقسامات بين نواب العدالة والتنمية.

وفي مؤشر على التوتر الذي أحاط بهذا التعديل، تخللت مناقشته في اللجنة النيابية المعنية سلسلة مواجهات بالأيدي بين نواب العدالة والتنمية وحزب الشعوب الديمقراطي. وصباح الجمعة، انسحب نواب من حزب المعارضة الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري، من الجلسة بعيد بدئها تعبيرا عن اعتراضهم.

وقبل إعلان نتيجة التصويت النهائية، أعربت برلين الجمعة عن قلقها حيال “الاستقطاب الذي يشهده الجدل السياسي الداخلي” معلنة أن المستشارة انجيلا ميركل ستبحث وضع الديمقراطية مع أردوغان الاثنين في اسطنبول.

وقال ستيفن سايبرت المتحدث باسم ميركل “من أجل الاستقرار الداخلي لأي ديمقراطية، من المهم أن تكون جميع المكونات الاجتماعية ممثلة أيضا في البرلمان. ومجمل هذه القضايا ستكون بالتأكيد جزءا من العناوين التي ستتناولها المستشارة مع رئيس تركيا”.

 

 

صحيفة العرب