تحولت المنطقة الخضراء في قلب بغداد أمس إلى ساحة مواجهة استخدمت فيها قوات الأمن الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع، بعدما اخترق أسوارها الآلاف واقتحموا مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي، ثم انسحبوا. وبارك رجل الدين مقتدى الصدر التظاهرات واعتبرها «ثورة سلمية».

وقتل ثلاثة اشخاص، على الأقل، وجرح العشرات في المواجهات. وأعلنت قيادة العمليات في بغداد مساء أمس أنها سيطرت على الوضع، واتهمت جهات لم تسمها باستغلال انشغال قوات الامن في التحضير لمعركة الفلوجة لإحداث الفوضى في العاصمة، وأعلنت فرض حظر تجول شامل حتى إشعار آخر.

وبدأت الاحداث عندما اندفع آلاف المتظاهرين باتجاه المنطقة الخضراء وحاولوا اقتحامها ففتحت قوات الامن النار عليهم وأطلقت قنابل الغاز المسيلة للدموع فأصيب العشرات بالإختناق، ونشرت على مواقع التواصل الإجتماعي صور قتيل واحد، قبل أن تؤكد مصادر أمنية مصرع ثلاثة متظاهرين.

وقال الصدر الذي أعلن اعتكافه، قبل أسابيع في بيان أمس: «تعاونت أيدي الإرهاب والعنف الحكومي ضد أبناء الشعب العراقي والمتظاهرين العزل، في تفجير الموقف... ويد تستهدفهم بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع». واضاف: «أصبر أيها الشعب البطل فثورتك السلمية، لا محالة، حليفها النصر وانهاء الطائفية والمحاصصة والفساد والإرهاب». وزاد «يا أبناء شعبي العظيم إن وقفتكم وثورتكم ضد الإرهاب وضد الفساد هي صرخة حق في وجه الظالمين والفاسدين. إذن فلا بد للحق من أن يعلو وانها خطوة والباقي على الرب، ومن ينصر الله ينصره، ويغير ما به من فساد وإرهاب».

وتابع: «رحم الله شهداء الثورة الشعبية العراقية السلمية والشفاء العاجل لجرحاها وتعساً لحكومة تقتل ابناءها بدم بارد، وما القذافي وصدام عنهم ببعيد، وإني لأحترم خياركم وثورتكم العفوية السلمية هذه وادعو لكم بالتوفيق والنصر والثبات وأطالب بالافراج عن الثوار فوراً».

ونقلت كاميرات ناشطين مدنيين عملية اقتحام مقر الحكومة ودخول المتظاهرين إلى مكتب العبادي وقاعة مجلس الوزراء. قبل أن ينسحبوا بعد ساعات، فيما طوقت قوات الامن المنطقة وانتشرت في عدد من المناطق، في مقابل انتشار مجموعات من «سرايا السلام» التابعة للصدر، في مؤشر إلى توتر كبير في العاصمة قد يمتد ليشمل باقي المحافظات، خصوصاً الجنوبية.

يذكر ان محتجين تمكنوا الشهر الماضي من اقتحام المنطقة الخضراء من دون أن تمنعهم قوات الأمن، لكنهم انسحبوا بعد يوم واحد. وإثر ذلك تعطلت أعمال البرلمان، بعد تعرض بعض النواب للضرب فضلاً عن اعمال تخريب بسيطة في المبنى.

ويحتج أنصار الصدر على فشل البرلمان في إقرار تشكيلة حكومية من الخبراء. وزاد سخط المحتجين، بعدما عجزت الحكومة عن بسط الأمن، بعد موجة تفجيرات تبناها «داعش» في بغداد، أودت بحياة أكثر من 150 شخصاً. ولم يدع الصدر صراحة الى الثورة، وهتف المحتجون أمس: «يا جيش الوطن مجروح... لا تصير ويا (مع) الفاسد».

وبدأت الأزمة السياسية العراقية في شباط (فبراير) عندما أعلن العبادي خططاً لتعيين وزراء تكنوقراط مستقلين، ما كاد يهدد بالقضاء على نظام المحاصصة السياسية الذي يجعل الإدارة العامة معرضة للفساد. وقال الصدر حينها إنه يؤيد هذه الخطة الإصلاحية واتهم جماعات سياسية بعرقلتها للحفاظ على مصالحها الشخصية.

من جهة أخرى إتهم ممثل المرجع الشيعي علي السيستاني عبد المهدي الكربلائي بعض «المؤتمنين» في السلطة بـ»تقنين» سرقتهم أموال الشعب الذي «لم يخولهم صرف الأموال العامة في غير مكانها الصحيح». وشدد على «محاسبتهم مهما كانت انتماءاتهم الحزبية والسياسية»، مطالبا أصحاب القرار «بصرف الأموال في خدمة المواطنين».

وكانت المرجعية أعلنت تعليق خطبها السياسية قبل شهرين رداً على رفض الكتل السياسية الاستماع إلى «نصائحها». ووصف الشيخ علي النعماني المقرب من تيار الصدر أفعال الحكومة بـ»الفاسدة لانها رفضت مشروع الإصلاح الوطني». وقال إن «السياسيين أصبحوا طبقة نبيلة إقطاعية تتمتّع بالثراء الفاحش، والإمتيازات الخاصّة، والحصانة من أيّ محاسبة على الجرائم والسرقات والأمن من خلال أفواج الحماية الخاصّة بهم وتسييج مناطق قصورهم بالجدران الكونكريتية، بينما أصبح سائر المجتمع العراقي يمثّل الطبقة المسحوقة التي عليها أن تتحمّل الفقر والتشريد وسوء الخدمات،والمفخخات والتفجيرات».