أطلقت المبادرة التي أعلنها الرئيس نبيه برّي بتقصير ولاية المجلس النيابي الممدة له، نقاشاً من نوع آخر في شأن قانون الانتخاب. هذا النقاش تركّز على محورين، الأول يتعلّق بمبدأ إجراء الانتخابات الرئاسية قبل النيابية لاعتبارات عدة أبرزها أنّ إجراء الانتخابات النيابية سيؤدي الى فوضى دستورية، ستُنتج عن استقالة الحكومة، واستحالة تأليف حكومة جديدة في حال لم يتمكّن المجلس النيابي الجديد من الانتخاب الفوري لرئيس الجمهورية، وهو المرجّح في ظلّ عدم وجود ضمانات بحصول هذا الانتخاب إذا لم تكن النتائج مؤاتية للفريق الذي يُعطّل انتخاب الرئيس، أي فريق «حزب الله» وحلفائه.

وفي وقت لا تشكّك بعض الاوساط في نية الرئيس برّي إطلاق العجلة السياسية والخروج من المأزق الطويل، فإنّ هذه الاوساط تعتبر أنّ النية الإيجابية للرئيس برّي لا يمكن أن تكون مضمونة النتائج، فـ«حزب الله» يمكن أن يستمر في تعطيل انتخاب الرئيس، لمصلحة رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون أيّاً كانت نتائج الانتخابات النيابية.

لكن بغضّ النظر عن ذلك، ترى الاوساط أنه لا بأس من جسّ نبض هذه المبادرة، عبر النقاش الجاري حول قانون الانتخاب الذي على ما يبدو لن يؤدي الى أيّ تقدّم سواء في نقاش القانون المختلط، أو في الركون بعد الفشل المتوقع في التوصّل الى قانون انتخاب، الى قانون الستين، الذي يبقى وحده الحل الأخير لإجراء الانتخابات النيابية، مع ما يحمله هذا القانون من احتمال تغيير ولَو طفيف في الخريطة السياسية.

وفي سياق البحث في قانون الانتخاب، لفتَ الموقف الأخير الذي أطلقه العماد عون، والذي أعاد فيه إحياء القانون الأرثوذكسي، وذلك من دون التأكد أنّ عون يطرحه بموافقة «حزب الله»، أو بموافقة «القوات اللبنانية»، التي سبق لها أن عارضته، وكلّفها ذلك ثمناً سياسياً باهظاً.

والواضح في إعادة إحياء الأرثوذكسي الذي ترفضه مكونات سياسية كثيرة، أنّ موجة جديدة من الطروحات حول قانون الانتخاب يمكن أن توضع على الطاولة، منها طرح متكامل ومبسّط، تمّ تداوله في الايام الاخيرة وحَظي باهتمام دولة عربية رئيسة معنية بالشأن اللبناني، وعرض على أكثر من مرجعية مسيحية لتقول رأيها فيه.

الطرح الانتخابي الجديد يستند الى قانون الستين مع تعديلات جذرية تطاول التمثيل المسيحي، لجهة نقل المقاعد من الاقضية التي ينتخب فيها الناخبون المسيحيون نوّابهم الى الاقضية ذات الكثافة المسيحية، كما لجهة توسيع بعض الاقضية او تضييقها بهدف الوصول الى انتخاب المسيحيين 59 نائباً بأصواتهم، وليس بأصوات المسلمين.

ينصّ مشروع القانون على تقسيم بيروت الى دائرتين، يضاف فيها للدائرة الاولى المسيحية مقاعد مسيحية، كما تضاف مقاعد الى أقضية البترون وبشري، والكورة، وجبيل، وزحلة، وجزين، عبر توزيع ينقل المقاعد المسيحية من طرابلس وبعلبك الهرمل ومن الشوف وعاليه، على أن يتم إرضاء رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط عبر اعتماد تقسيم انتخابي في راشيا وحاصبيا يؤمّن ما خسره في الشوف وعاليه.

يهدف طرح هذا المشروع الى إعطاء حلول تستبق البحث الجدي في مبادرة الرئيس برّي، فهذا المشروع ربما يلقى تحفظات كثيرة خصوصاً لدى تيار «المستقبل»، لكنه يؤمّن من جهة أخرى عدم تشتيت المقاعد السنيّة، والأهمّ انه يعالج جذرياً مسألة التمثيل المسيحي، ويعيد جزءاً من التوازن الذي خسره هذا التمثيل بعد زيادة عدد اعضاء مجلس النواب الى 128 وتوزيع الكثير من هذه المقاعد كجوائز ترضية على بعض المناطق.

لكنّ السؤال سيبقى اذا ما تمّ طَرح المشروع وتبنّيه، حول موقف «حزب الله» والعماد عون، علماً انّ المشروع نال موافقة ضمنية من اكثر من طرف داخلي، وهو يمكن أن يحظى برعاية عربية ستُترجم بتَبَنّيه في وقت لاحق.