ما زالت مفاعيل قضية إغتيال القيادي في «حزب الله» مصطفى بدر الدين، تحتل واجهة الاحداث الداخلية وربما الخارجية خصوصاً بعد قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تعليق عملها ريثما يتم التحقق من حقيقة مقتل بدر الدين. أمّا ما يحدث داخل «حزب الله» فهو النقاش المستمر حول تداعيات فقدان أحد أهم القادة العسكريين في الحزب وما يُمكن أن يعكسه هذا الحال أو التطور الجديد على البنيتين السياسية والعسكرية بالإضافة الى التخطيطات الميدانية ومتابعة تطوراتها سواء في الجنوب اللبناني أو في سوريا، وأيضاً على بقية قيادات «حزب الله» وعناصره والإنعكاسات السلبية التي بدأت تظهر منذ الإعلان عن الإغتيال.

حتّى الساعة لا وثيقة وفاة صادرة تؤكد مقتل بدر الدين ولا حتى فحوص مخبرية تنهي عملية الشك حول حقيقة الأمر، ومع هذا يبقى الاعلان شبه مؤكد إلى أن تبرز معطيات تدحض عملية القتل من أساسها. ومن منطلق تثبيت «الواقعة» يتابع «حزب الله» الإجراءات والمشاورات لاختيار بديل عن بدر الدين يسد الفراغ الكبير الذي تركه في الميدان وسط عدد من الإشاعات التي تخرج من هنا وهناك حول طرح مجموعة من الأسماء التي يُمكن أن تتسلّم دفّة القيادة العسكرية من بعده.

بعد اغتيال القائد العسكري السابق في «حزب الله» عماد مغنية، توعّد الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله الإسرائيليين بالقول «لقد ترك لكم عماد مغنية خلفه عشرات الآلاف من المجاهدين المدربين الجاهزين للشهادة«، لكنّه لم يقل لهم العدد الذي يُمكن أن يخلف مغنية في مركزه لا في السر ولا في العلن، وكما هو معروف ضمن هيكليّة الحزب، فإن قرار تولّي أي شخصيّة لهذا المركز، يعود لحلقة ضيّقة تضم مجموعة أشخاص لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين منهم يتألّف المجلس «الجهادي» المعني الرئيسي بالتوجيهات العسكرية وتنظيم وتدريب العناصر وإقامة المعسكرات. وهذه المجموعة هي من مؤسسي العمل العسكري في الحزب جميعهم كانوا منخرطين في «المقاومة الفلسطينية» قبل تأسيس «حزب الله».

إختيار قائد عسكري بديل في «حزب الله»، عملية مُعقدة تخضع لمعايير عدة، وذلك على عكس عملية إختيار أمين عام للحزب والتي حصلت مرتين في تاريخ «حزب الله» يوم إختيار السيد عبّاس الموسوي بديلاً عن الشيخ صبحي الطفيلي، ونصرالله بديلاً عن الموسوي الذي اغتالته اسرائيل. ومن هنا يجد الحزب نفسه أمام معضلة صعبة تضعه أمام أصعب خيار يُمكن أن يُصادفه خصوصاً أن مركزاً كهذا يجب أن يتمتع صاحبه بإمتيازات ومواصفات يرضى عنها الإيراني كشرط أساسي. ولذلك فإن جميع الأسماء التي تم التداول بها خلال الأيّام الماضية كخليفة لبدر الدين، تبقى ضمن التحليلات والإجتهادات الشخصية ومن بينها مصطفى مغنية نجل عماد مغنية، على الرغم من أنه في أدبيّات الإيراني يُفضّل أن ينتمي صاحب هذا المركز إلى سلالة «السادة» وهم في الأصل لديهم نقطة ضعف تجاه هذا الأمر، ولذلك يجري التداول باسمين هما: طلال الحسيني المعروف بطلال حميّة وفؤاد شكر بالإضافة إلى اسم ثالث من آل الموسوي.

من المؤكد أن مشكلة كبيرة تواجه «حزب الله» ومعه الإيراني في البحث عن بديل لبدر الدين، فأعضاء هذه المجموعة الضيّقة التي لا بد أن يكون البديل من احد أفرادها، يخضعون بحسب أوساط ذات صلة بطبيعة الحزب وأيديولوجيته، لنرجسية تجعل كل فرد منهم يعتبر نفسه الأوفر حظّاً لتولي مسؤولية القيادة العسكرية، فعلى سبيل المثال، والكلام دائماً للأوساط، أن قائد وحدة التدريب محمد الحاج المعروف بـ»أبو تراب»، كان يعتبر نفسه المخوّل الوحيد لتولي منصب القيادة بعد إغتيال مغنية، لكن تجاهله وإسناد المركز إلى بدر الدين، جعله يذهب بإرادته للتعامل مع المخابرات المركزية الأميركية قبل أن يُلقي أمن الحزب القبض عليه فيما لا يزال مصيره مجهولاً حتى الساعة، رغم أن البعض في «حزب الله» يُشيعون بأنه أصبح في عهدة الدولة اللبنانية.

فوزي أيوب، جهاد مغنية، محمد أحمد عيسى، غسان فقيه، علي خليل عليان، فادي الجزار، حسن علي جفال، حسن حسين الحاج، سمير القنطار، مصطفى بدر الدين وقبلهم عماد مغنية، هؤلاء هم من صف القادة في «حزب الله» جميعهم سقطوا في سوريا، وهناك غيرهم الكثير من الأسماء التي لم يعترف الحزب بحجم المسؤوليات التي كانت تتولاها. ومع سقوط كل هذه الأسماء، يبدو أن «حزب الله» ذاهب باتجاه أزمة جديدة في قيادته العسكرية التي من المُرجّح أن تسير على خطى الدولة اللبنانية بحيث يبقى الفراغ هو العنوان الأبرز للمرحلة المقبلة.

  علي الحسيني: المستقبل