لم يستغرب المراقبون أن يغتنم رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني مناسبة مرور 100 عام على اتفاقيات سايكس بيكو ليلمّح إلى استقلال كردستان وإمكاناته الحالية. ويعتبر الأكراد في المنطقة أنفسهم ضحية ذلك الاتفاق الفرنسي البريطاني والذي لم يتح لهم إقامة دولة خاصة بهم.

لكن ما لفت نظر المراقبين هو استخدام البارزاني للمآلات التي وصل إليها الوضع العراقي والتي من المفترض أن الأحزاب الكردية كانت شريكة في تفاقمها.

وتوقفت أوساط دبلوماسية عند تشكيك البارزاني في مفهوم المواطنة وأنها ليست الطريق الناجعة لبناء البلدان بقوله “يجب أن نعترف بالواقع الحالي، أن مفهوم المواطنة لم يتحقق ولم يعد للحدود والسيادة معنى”.

ويجمع خبراء ومحللون وسياسيون على أن كوارث المنطقة منذ غزو العراق عام 2003، أتت من تراجع مفهوم المواطنة كهوية جامعة لشعوب المنطقة، وانكفاء الهويات نحو القبلية والعشائرية والطائفية والمذهبية، على النحو الذي جعل من العراق كهوية جامعة ينهار لصالح ارتفاع منسوب المشاعر القومية والدينية والطائفية.

وترى أوساط عراقية معارضة أن الأحزاب الكردية عملت بهمّة عالية، ومن خلال نصّ دستوري على ترويج تصدع داخل اللحمة الاجتماعية للبلاد أسست لمفهوم المحاصصة في تقاسم الثروة والسلطة، كما ثبّتت حدودا داخل العراق من خلال تركيز الإدارة الذاتية للإقليم الكردي، والعمل ضمن خطة مبرمجة لشد تلك المنطقة خارج العراق وتكريس الاستقلال عن القرار المركزي في بغداد.

وتلفت تلك الأوساط إلى أنه وبغض النظر عن مسؤولية الشركاء في العملية السياسية، فإن البارزاني وقيادات الأحزاب الكردية عملوا على تدمير منهجي لمفهوم المواطنة بمعناها العراقي، وبناء مفهوم بديل يؤسس لمواطنة كردية بديلة تستند على روايات التاريخ والأمر الواقع.

وقال باحث تاريخي عراقي “لم تغب الهوية الوطنية إلى الحد الذي يرى البعض أنها طمست إلى الأبد ولا بد من توزيع الوطن العراقي على هويات متناثرة”.

وأوضح في تصريح لـ”العرب”، أنه “لم تخلق سايكس بيكو العراق، فشأنه شأن بقية الأقاليم المجتمعة داخل امبراطوريات، ولا وجود لأي دولة في العالم لم تكن تحت راية امبراطورية، فلماذا يُراد للعراق الشذوذ، والرقص على أشلائه الموزعة بين كيانات سياسية خلت من روح المواطنة؟”.

ورأى مراقبون أن البارزاني يحتفل من خلال رسالته المفتوحة بإعدام مفهوم المواطنة في العراق في خدمة أهدافه الحقيقية التي يعلن فيها أن “اتفاقية سايكس بيكو ماتت، ونحن من نقرر مصيرنا، فإما أن نبقى على الشراكة مع العراق، أو أن نكون جيرانا جيدين”، لافتين إلى أن الحرص على العراق ووحدته والمواطنة داخله هي شأن أهله أكرادا وعربا وقوميات أخرى، ولا يمكن أن تنحصر في مزاج مكوّن واحد، على ما يلـمح البارزاني.

واعتبرت أوساط عراقية أن كلام البارزاني عن أن “شعب كردستان بذل كل ما لديه من أجل بناء العراق على أساس الشراكة والديمقراطية والفيدرالية”، لا يأخذ بعين الاعتبار مسؤولية الشريك الكردي في ما انتهى إليه رئيس إقليم كردستان من أنه “في الواقع لم يتم العمل بالدستور وتهربت الحكومة العراقية من الالتزامات وانتهكت الشراكة وقطعت قوت شعب كردستان”.

وأشار الباحث العراقي إلى أن “مَن يريد الانفصال ويجد أن الظروف خدمته في ضعف العراق الراهن عليه ألا يتعذر بانهيار المواطنة أو حداثة بلد اسمه العراق، عليه أن يذهب إلى الانفصال ويرتب بيته القومي من دول أُخرى أيضا، فالعراق على حد قول أحد الباحثين، ليس فندقا أو مسافرخانة مثلما كان يسمى في العهد العثماني”.

 

العرب