الحرب التي تشنها الجماعات الإسلامية على المجتمع في العالم العربي هي حرب خاسرة، ولكن من قال إنّ تلك الجماعات ترغب في تحقيق الانتصار كما نفهمه؟ فبالرغم من أن العقدة الفكرية هي التي تدفع بتلك الجماعات إلى اتخاذ موقف متطرف، غير أن هدم ذلك المجتمع يمثّل الفقرة الأولى في برنامجها وهو ما يفسر لجوءها إلى العنف في تطبيق مشروعها الذي هو شريعتها.

اللاّفت في هذه المسألة الملتبسة أنّ عمليات هدم المجتمع لا تهدف إلى إعادة بنائه بما يقدمه في صورة تحفظ له مكانته في الحياة المعاصرة نظريا، فإن مفهوم البناء بالنسبة للجماعات المتطرفة لا يتجاوز فكرة إصلاح المجتمعات الفاسدة وتنقيتها مما تسلل إليها من أفكار وتصرفات ومظاهر غربية، وهو ما يعني الإطاحة بكل مكتسبات الحياة الحديثة التي تحققت عبر العقود الماضية وإعادة المجتمعات العربية إلى القرون المظلمة.

المسألة عمليّا، تتعلق باستبدال مجتمع بمجتمع آخر، لا يمت إليه بصلة أو قرابة، وهو ما لم يستوعبوه بسبب جهلهم وتعصب مريدي الجماعات المتطرفة من المتحمسين لمعتقداتها، ظنا منهم أنّ تلك الجماعات إنما تسعى إلى إصلاح واقع الأمة والنهوض بها من خلال قيم وأخلاق الدين الحنيف.

إنّ العنف الذي مورس بحق المجتمعات لا ينطوي على أيّ مبدأ أخلاقي ولا يستند إلى قيم إنسانية واضحة المعالم، فما كان يُفرض بالقوة قد أدى إلى سلب المجتمعات المغلوبة الشيء الكثير من كرامتها من خلال تسييد منطق القطيع.

وقد لا يبدو غريبا في هذا السياق، الهلع الذي أصيبت به جماعة الإخوان المسلمين حين تمت الإطاحة بحكمها في مصر، وهو هلع ينطوي على الكثير من عدم التصديق، إذ لم تصدق الجماعة أنّ من اقتيد عن طريق التضليل إلى صناديق الاقتراع ليضفي الشرعية على وجودها في الحكم، قادر على أن ينتزع بإرادته تلك الشرعية.

واعتبر نوري المالكي زعيم حزب الدعوة في العراق، وهو أكبر الأحزاب الدينية وأقدمها، التظاهرات التي شهدتها بغداد في الآونة الأخيرة مؤامرة على المشروع الإسلامي، بل وعلى الإسلام عموما.

وبالنسبة لهذا السياسي المتدين الذي شهد العراق خلال سنوات حكمه أكبر عمليات فساد في التاريخ فإن عامة الناس تُقاد وليس لها رأي في ما يجري من حولها، وهو رأي يحظى بإجماع الجماعات الدينية كلها، فالشعب بالنسبة لتلك الأحزاب والجماعات ليس مصدر السلطات كما تقول جملة تقليدية في “الدساتير” الوضعية، وهي جملة تشي بالكثير من الكفر، ولا اختلاف في ذلك بين داعش وحزب الله، على سبيل المثال.

ما يفعله الشعب حين يبايع الإسلاميين في الانتخابات التي تجري على أسس غربية، ما هو إلا تأكيد لشرعية وجودهم. ذلك لأنهم لا يكتسبون شرعيتهم من ولاء الشارع، بل من “مبادئ الحق” التي يستمدون منها سلطتهم.

وضع الإسلاميون الحق إلى جانبهم حين احتكروا لأنفسهم تمثيل الله على الأرض، وهي الفكرة التي تدفع بهم إلى الصدام من غير أن يتراجعوا عن اتفاقهم في مسألة تمثيلهم الإلهي.

الحقيقة أنّ هذه الجماعات، سنية كانت أو شيعية، لا يقلل بعضها من قيمة البعض الآخر من أجل الإعلاء من قيمة الشعب الذي تستعمله حطبا لحروبها، بل العكس هو ما يحدث تماما، ذلك أنها وبعد أن نجحت في شق صفوف العامة صارت تعمل على بث الفتنة فيها، بحيث ينظر كل جزء منها إلى الأجزاء الأخرى بتعال وصل حد الاحتقار.. ألا يعني ذلك أن المجتمعات التي ابتليت بالإسلاميين -طواعية أو كرها- هي مجتمعات لا مستقبل لها؟