لا نكون نبالغ إذا ما ادعينا أن حزبا جديدا يولد في الوسط الشيعي، قد لا تشبه ولادة هذا الحزب أي ولادة عادية، أو حتى أنه يشبه أي من الاحزاب المعروفة على الساحة اللبنانية والمنهمكة هذه الايام بخوض الانتخابات البلدية ولا يشبهها حتى في تطور المسيرة الحزبية المعهودة. 

كل الاحزاب تبدأ من خلال خلايا حزبية تتألف من مجموعة عناصر تعرف بعضها بعضا وتلتقي على باقة أفكار مشتركة أو طموحات وأحلام تسعى تلك الافراد لتحقيقها، هذا فضلا عن ضرورة توفر عاملان لا بد منهما يساهمان في ولادة الاحزاب بالأخص في عالمنا العربي وهما شخصية قيادة تبادر إلى لملمة وتجميع الأفراد حولها والعامل الثاني هو توفر حد أدنى من الامكانيات المالية (بغض النظر عن الممول)  تنطلق المسيرة الحزبية وتتراكم مع مرور الزمن بمساعدة لا بد منها من اللحظة التاريخية التي توفر البيئة الملائمة للاستمرار إلى أن يصل هذا الحزب أو ذاك الى مرحلة السعي الطبيعي للإمساك بالسلطة بكل تشعباتها من رأس النظام مرورا بالمؤسسات الدستورية ووصولا لأصغر موقع محلي كالمجالس البلدية التي نشهد الآن هذا الإستذئاب الحزبي عليها. 

هذا هو السياق الطبيعي للأمور في ظل أجواء طبيعية ومناخات من الحرية حيث تتحكم القوانين والدساتير بمفاصل الحياة اليومية للأوطان، وأما في البيئات المتفلتة والمحكومة لقوانين غب الطلب ولمنطق الأمر الواقع حيث ناصية الناس ومصالحها تكون ممسوكة بيد من حديد للزعيم المفدى أو للقائد الملهم أو للملك والبيك والأمير والسلطان والولي الفقيه وما شئت فعبر من أسماء لا تدل إلا على أصناف متعددة من الديكتاتوريات على أنواعها فإن تلك الظروف الإستثنائية تفرض على الناس الطامحين للتفلت من الواقع المزري والطامحين إلى غد أفضل إبداعات جديدة قد لا تكون في أغلب الأحيان مقصودة ومدروسة من أجل إيجاد رحم افتراضي يحتضن مولودا جديدا منسجما مع المسار التاريخي لرفض ما هو عتيق. 

هذا تماما ما يحصل هذه الأيام في الجنوب اللبناني كما حصل في معظم مناطق نفوذ الثنائية الشيعية أمل حزب الله ، حيث من المفروض أنهما يمسكان تماما بقرار الطائفة ولا يوجد على الساحة الشيعية أي منافس حقيقي لهما، إلا أن الانتخابات البلدية تثبت عدم صحة هذه الفرضية بغض النظر عن الاحجام وعن النتائج المرتقبة إلا أن من المسلّم به أن التحالف الشيعي يواجه حزبا جديدا قيد الانشاء مؤلفا من عناصر لا تعرف بعضها البعض وموزعة على كامل الجغرافية الشيعية ومنطلقة من قناعة واحدة مشتركة بينها هي كسر هيمنة حركة أمل وحزب الله وتؤسس لرؤية اعتراضية على سلوك وأداء لا يحقق الحد الادنى من طموح الجماعة بحسب رأيهم ، ويمكن المراكمة عليه في القادم من الايام. 

هذا الحزب الجديد ليس له قائد ولا هو ممول من أي جهة وليس عنده هيكلية تنظيمية وليس له إسم حتى، وأن أعضاءه لا يعرفون أنهم ينتمون إليه إلا أن خيطا رفيعا يشد بينهم ويجعل منهم قوة ثالثة قيد الولادة الحتمية. صحيح أن المرشح في وجه اللائحة المحدلة في كفرصير لا ينسق مع رفيقه المرشح في حولا أو جبشيت أو عدلونأاو النبطية أو أي مكان في الجنوب وطبعا فإن كل واحد منهم هو صاحب مبادرة ذاتية بدون الرجوع بقراره الى أحد باعتباره مستقلا ويمتلك قراره المستقل مما يعني أن حقيقة المشهد الانتخابي في الجنوب هو بواقع الحال بين الثنائية الشيعية من جهة وبين ما يمكن أن نطلق عليهم مجازا .... حزب المسقلين من جهة أخرى .