"لا فرق بين أولئك الذين يقومون بالأعمال الإرهابية، وأولئك الذين يوفرون لهم الحماية والدعم". جورج بوش الرئيس الأمريكي السابق.

يصعب تصديق المسؤولين في النظام المالي اللبناني، أنهم ملتزمون بالحظر المالي الأمريكي المفروض على حزب الله الإرهابي الشيعي. تماما مثلما يستحيل تصديق هذا الحزب التخريبي بأن ليس لديه أموال في المصارف اللبنانية. إنها تأكيدات سخيفة من الطرفين. فأموال حزب الله المنتشرة بصورة أو بأخرى حول مناطق عديدة في العالم، لم تعد سرية كما كانت. ومصادرها من الارتزاق عبر القتل وتجارة المخدرات والتهريب، باتت مكشوفة منذ أعوام. إنها في الواقع المصادر الوحيدة لدخل هذا الحزب الإيراني في لبنان، إلى جانب تمويل نظام الملالي له، والذي ارتفع في الأعوام القليلة الماضية، نتيجة اشتراكه في الحرب على الشعب السوري، إلى جانب نظام سفاح سورية بشار الأسد.

المصارف اللبنانية خائفة من القرار الأمريكي، خصوصا بعدما شهدت كيف أن الولايات المتحدة لم تترك مصرفا حول العالم إلا وقاضته أو فرضت عليه غرامات خرافية، نتيجة لتعامله مع هذه الجهة الإرهابية أو تلك، ومع هذا النظام المارق أو ذاك. وفي المقدمة النظام الإيراني. وكما هو ظاهر الآن، فالمصارف الغربية مترددة في التعامل مع إيران، حتى بعد رفع العقوبات الدولية عنها. وإذا كان لبنان كله يديره الإيرانيون في كل شيء تقريبا، بما في ذلك شبكات المياه والكهرباء والمطار الدولي والمعابر وغير ذلك، فعلينا أن نتخيل حجم تغلغل حزب الله الذراع الضاربة لإيران في هذا البلد في النظام المصرفي. 

دعك من الكلام الرسمي. من يملك القرار في لبنان، عصابة اسمها حزب الله، وهي مصممة على تدمير ما تبقى من هذا البلد، بامتلاك سلاح تمتلكه دول، والسيطرة على الجيش اللبناني نفسه، ومعه بالطبع قوات الأمن.

وإذا لم تتمكن "الدولة" اللبنانية من إبقاء مجرم قاتل مدان كميشيل سماحة في السجن، كيف يمكنها أن تحدد الأطر في التعامل المالي لحزب الله عبر مصارفها؟! لبنان محتل، هذا أمر واقع، فلا معنى لتأكيدات المسؤولين المصرفيين أنهم سيتعاونون مع القرارات الأمريكية الخاصة بحظر التعامل مع حزب الله. دون أن ننسى، أن هذا الحزب يمرر الأموال بأسماء لا تخطر على بال، ضمن عمليات تمويه نجحت في السنوات الماضية، حتى عبر الأنظمة المصرفية في بلدان عربية وأجنبية مختلفة. في السعودية نفسها، اكتشفت السلطات شبكة تمويل لهذا الحزب الإرهابي، من خلال مؤسسات وشركات ومكاتب. في دول أخرى، وصل التغلغل المالي حدا شمل حتى البقالات الصغيرة!

ولم يتردد الإرهابي الأكبر حسن نصر الله في توجيه تهديداته لمصرف لبنان المركزي عبر وسائل الإعلام الإيرانية في لبنان، وهو بذلك كذَّب نفسه، عندما أعلن هو شخصيا قبل أسابيع أن حزب الله لا يمتلك أموالا عبر النظام المصرفي اللبناني. والتهديد الجديد، جاء على خلفية تجميد حسابين مصرفيين لنائبين شيعيين، وثالثا لابنة نائب شيعي سابق ومسؤول حالي في الحزب. ورغم إعلان الحكومة أنها تتابع من كثب تطبيق قرارات الحظر الأمريكية، إلا أنها تعيش أزمة أخرى على هذا الجانب، خصوصا بعد أن بدأت تهديدات الحزب الشيعي بالظهور واضحة على الساحة. ووفق أوساط المؤسسات المالية اللبنانية، فإن حزب الله يتحرك الآن من أجل ضمان بقاء أمواله ضمن النظام اللبناني، بطرق مختلفة.

وبالطبع الطرق المختلفة الجديدة لم تعد سهلة، ليس فقط لأن عين المراقبة المالية على الحزب الإرهابي اتسعت حدقتها، بل لأن غالبية الأساليب الاحتيالية تم كشفها في السنوات الماضية، بما في ذلك تسجيل الأرصدة بأسماء أشخاص عاديين، أو إطلاق مشاريع استثمارية صغيرة ومتوسطة، أو التعامل غير المباشر مع مكاتب الصرافة، أو فتح حسابات في ملاذات ضريبية آمنة، لم تلبث أن تحولت إلى ملاذات خطيرة وحقيرة لغسل الأموال. كل الطرق باتت مكشوفة، وهناك أزمة مالية حقيقية يواجهها حزب الله خارج لبنان، لكنها لن تكون أزمة في داخل هذا البلد، إلا إذا استعاد ما تبقى من شكل الدولة زمام السيطرة. وهذا أمر ليس واردا طالما ظلت إيران مسيطرة على لبنان عبر هذا الحزب الإرهابي الشيعي.

حسن نصر الله ومرتزقته في مجلس النواب اللبناني، اعتبروا علنا التزام مصرف لبنان المركزي والمصارف الأخرى في لبنان بالقرارات الأمريكية، التزام "بقرارات الانتداب الأمريكي". ويمضون في صفاقتهم أكثر من ذلك، عندما قالوا، إن التزام المصارف بالقرار الأمريكي المشار إليه، هو "مصادرة للسيادة النقدية اللبنانية". ما زالوا يرددون الأكاذيب التي باتت مصدرا دائما للسخرية. فكيف لعملاء ملالي إيران في لبنان، أن يتحدثوا عن سيادة وطنية لبنانية؟! إنهم في الواقع لا يعترفون إلا بسيادة علي خامنئي المحتل الحقيقي لهذا البلد. ورغم كل شيء، لا يمكن أن ننظر إلا بعين الشك والريبة لمستوى التعاون المصرفي اللبناني مع القرار الأمريكي، ليس حبا في حزب الله، بل خوفا منه.

  صحيفة الاقتصادية السعودية