على هامش مشاركته في ندوة "ارتدادات الربيع العربي" في مهرجان القرين الثقافي التاسع عشر في الكويت، التقت "النهار" أرشاد هرموزلو، كبير مستشاري الرئيس التركي عبدالله غول لشؤون الشرق الأوسط. فكان حديث عن قضية المخطوفين اللبنانيين في سوريا ومستقبل سوريا وشؤون "الربيع العربي" من منظار تركي.

بعربية بليغة وطليقة اكتسبها من دراسته الحقوق في جامعة بغداد، أجاب هرموزلو عن تساؤلات "النهار"، بنبرة تجمع الديبلوماسية والذكاء في انتقاء العبارات واختيار ما يقال وما لا يقال.
بداية كان لا بد من السؤال عن قضية اللبنانيين المخطوفين وكل ما أثير عن الدور التركي، فقال إن "الخطأ في مناقشة الموضوع هو اعتباره شأناً تركياً لبنانياً مع أنه لبناني داخلي، ويجب التعامل معه على أنه شأن لبناني". وأكد استمرار بذل المساعي الحميدة لحل الكثير من المشاكل، بما فيها هذا الملف، واصفاً نهج الخطف بأنه من "نتاج العصور الوسطى".
وإذ نعلق على قوله إن الأمر ليس قضية لبنانية - تركية بأنه أثير على هذا النحو من منطلق علاقة أنقرة بـ"الجيش السوري الحر"، أشار إلى الوساطة التركية القطرية الإيرانية التي أفضت إلى إطلاق المخطوفين الإيرانيين. وأضاف :"إذا كان هناك أي امكان للمساهمة في نهاية سعيدة لن نوفرها، لكن إمكاناتنا محدودة". وعن إمكان تأثير غضب ذوي المخطوفين وتهديدهم للمصالح الاقتصادية التركية في لبنان على العلاقات الثنائية، قال: "اللبنانيون ليسوا في أيدي الأتراك، والموضوع ليس بين الدولتين"، وإن يكن يتفهم أن أسر الضحايا رفعت، لأسباب إنسانية، مستوى توقعاتها من بلاده. وعزا إطلاق الإيرانيين قبل اللبنانيين إلى "اختلاف الظروف، وبعض الضغوط الدولية". 
كيف يحل هذا الملف إذاً؟ أجاب بأن ذلك يتم على مستوى أكثر من دولة. و"إيران يجب أن تكون جزءاً من الحل وليس من المشكلة. وهذا ينطبق على روسيا والصين في الموضوع السوري". 
نسأل هرموزلو ألا يزال الحل السياسي ممكناً في سوريا، فيجيب بأن "كل الجهود فشلت. ونحن كنا أول الساعين إلى تغليب الحوار ونبذ العنف، غير أن تعنت النظام أدى إلى هذا الفشل". وعرض لمراحل موقف أنقرة من دمشق، من الدعوة إلى احتواء النظام وإدخاله "منظومة العالم الحر" على رغم اعتراض "بعض حلفائنا"، ثم المطالبة بإصلاحات تماشياً مع "النهضة العربية"، وهو التعبير الذي يفضله المستشار التركي لـ"الربيع العربي". وتحدث عن عرض اقتراحات كثيرة على الرئيس السوري بشار الأسد في ما يتعلق بـ"التحول إلى نظام ديموقراطي يستجيب لتطلعات الشعب السوري، لكنه أصم أذنيه، فكان على أنقرة ان تختار بين النظام في سوريا أو الشعب هناك، فانحازت، من منطلق الواجب الأخلاقي، إلى الشعب"، وهذه هي المرحلة الثالثة والحالية للعلاقات.
وهل المرحلة الرابعة هي ما بعد الأسد؟ يجيب بأن "الأمر في يد الشعب السوري، وما يرضيه يرضينا. وحده قادر على رسم خريطة لطريقه". لكن كيف ذلك والمعارضة السورية غير موحدة، لا سياسياً ولا عسكرياً؟ يرد واثقاً بقدرة السوريين على "الوصول إلى وطن حر وموحد وديموقراطي بجميع أطيافه ومكوناته من عرب وتركمان وكرد ومسلمين ومسيحيين".
نسأل عن سبب إغفاله ذكر العلويين، وقد نشرت صحف تركية أخيراً تقارير عدة عن إمكان إقامة دولة علوية في سوريا. يؤكد أن "الوطن الحر والديموقراطي" الذي تحدث عنه  يشمل كل المذاهب التي عليها التعايش معاً، فـ"الثقافة الدينية إغناء للأفكار". نعاود السؤال عن شبح التقسيم إلى دويلات، فيجيب: "لا نخشى على الإطلاق تقسيم سوريا. الشعب واع، وأي اتجاه إلى تقسيم سوريا يقضي على مستقبلها. ونظام الحكم المستقبلي يقرره أبناء سوريا".
 

تركيا والجوار ننتقل إلى تأثير النموذج التركي على بلدان "الربيع العربي"، وخصوصاً تلك التي وصلت إلى الحكم فيها أحزاب إسلامية مثل مصر وتونس. يرى هرموزلو أن لكل دولة خصوصياتها، لكن التجارب يمكن استلهامها لا استنساخها. ويضيف: "أقول للعرب، نزرع حديقتنا بما يرضينا وأجيالنا القادمة. ولا نفرض على أحد استخدام بذارنا ولا نحيط حديقتنا بأسوار. ويبقى لهم حق الإخوة والصداقة".
نقول له إن السياسة الخارجية التركية خرجت عن مبدأ "تصفير المشاكل"، فيقول إنها لا تزال تسير عليه. نسأل كيف ذلك مثلاً مع سوريا وإيران والعراق وقضية استضافة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي المحكوم عليه بالإعدام بعض الوقت. فيشرح أن أنقرة لم تتخل عن هذا المبدأ، "ولكن أحياناً تدخل مؤثرات خارجية ما، ونبقى على سياسة مد اليد الى كل الخيرين في البلدان المذكورة". ويشير إلى أن الاستضافة ليست مشكلة بذاتها، فالسعودية استقبلت الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي "لأسباب إنسانية" ولم يؤثر ذلك على العلاقات بين البلدين. 
وعن العراق قال إن تركيا تريده موحداً تعددياً تحترم فيه حقوق "المكونات والأطياف"، و"أن يُطبخ قراره في مطبخه". وهل تقود أنقرة محوراً سنياً في مواجهة إيران من منطلق استعادة زعامة العالم الإسلامي؟ كرر أن استلهام التجربة التركية متروك للآخرين، ولكن "لا ندعو إلى عثمانية جديدة"، و"لا نسعى إلى زعامة العالم السني لأن دستورنا يحظر تلك الأمور". غير أنه أقر بأن العلاقات مع طهران "كانت أفضل، وإن تكن لا تزال جيدة. وهناك اختلاف في وجهات النظر بالنسبة إلى سوريا. ونريد إيران جزءاً من الحل. ويدنا ممدودة اليها على الدوام للحوار، بما في ذلك الملف النووي، ومستعدون لمعاودة الاضطلاع بوساطة".
وفي شأن آخر، سألنا هرموزلو عن الغموض الذي يكتنف اغتيال الناشطات الكرديات في باريس، فأجاب :"ابحثي عمن له مصلحة في الأمر. مرتكب أي جريمة هو صاحب المصلحة فيها. ولا مصلحة لنا على الإطلاق. وعلى فرنسا إجراء تحقيق نزيه وشفاف". واكد استمرار الحوار مع حزب العمال الكردستاني و"كل ما من شأنه الارتقاء بتركيا إلى سلام اجتماعي ونبذ الإرهاب".
وختاماً كان لا بد من التطرق إلى ملف عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. فأكد مضي بلاده فيه، "فما يهمها هو المعايير الأوروبية، من حيث التقدم الحضاري والاجتماعي. وسنستمر في التمسك بها حتى لو لم يتح لنا الانضمام قريباً إلى الاتحاد".