تشاء الصدفة أن ينجح صادق خان( المسلم من أصل باكستاني) عُمدة لأعرق عاصمة أوروبية، لندن، عاصمة بريطانيا العظمى، وتتعثر محاولات كسر التسلّط الحزبي في لبنان على المقاعد البلدية، المفترض أن تكون بعيدة عن التجاذبات السياسية، باعتبارها موكلة بالخدمات العامة الإنمائية، هذه الصدفة تسمح بجلاء بعض المفارقات التي "تجمع وتُفرّق "في نفس الوقت هذين الحدثين:

  أولاً: إنه لأمر طبيعي أن يُنتخب رجل "مسلم" عُمدةً للندن، فصفة مسلم لم تُقدّم أو تُؤخر شيئا في مزايا الرجل، ولعلّها إضافة نافلة، أي لا قيمة لها، أو لزوم ما لا يلزم بلغة أبي العلاء المعري ،(وكان علمانياً قبل أن تعرف أوروبا العلمانية)، فصادق خان رجل ناجح بكل المعايير في الاجتماع والانماء للمدينة التي ينتمي لها، وهو يُؤكّد أنّه انتُخب بفضل مزاياه، لا بسبب منشأه ولا عرقه ولا دينه، انتُخب لأنّه لا يُقيم وزناً لهذه المعايير، والفضل يعود دائما للمواطنين الذين لا يحفلون بهذه المعايير، فالمواطنين مع احترامهم لشخصه ودينه، أولوهُ ثقتهم لنجاحه المستمر في العطاء الخدماتي والانمائي  والإنساني، وقد حضرتُ له بالأمس مقابلة على قناة تلفزيونية مغاربية، وإذ كانت المذيعة، كدأب معظم الإعلاميين ،تحاول أن تُصوّر الأمر على أنّه انتصار إضافي للإسلام والمسلمين، كان صادق خان يؤكد ،مع اعتزازه باسلاميته، بأنّه علماني بكل ما في الكلمة من معنى، ولولا ذلك، لما أصبح اليوم عمدة للندن، ولما كانت اهتمت باسلاميته وسائل الإعلام والاتصال الاجتماعي، وإذ يضيف بشجاعة أنّه سبق وانخرط في نضالات تتصل بقضايا عربية وإسلامية، فإنّ ذلك كان في إطار رفض الظلم والعدوان، ورفض التمييز العنصري والعنف والاستعباد. وهو مستعد أن يقف مع كل قضية عادلة بغضّ النظر عن هويتها وأصحابها ومكانها. صادق خان، المسلم بحقّ يرفع بحقّ لواء العلمانية والتحرر والتقدم عالياً، وعاليا جداً، حبّذا لو وصلت نسائم هذه "المقدّسات الحديثة" إلى بلادنا، علّها تكنُس كثيرا من "المقدسات البالية" التي ما زالت جاثمة على صدورنا.

  ثانياً: من حُسن حظ صادق خان، أنّه لم يكن مرشحا لرئاسة بلدية في بريتال أو بعلبك، ولا الهرمل أو مقراق، لأنّه كان سينال ،وفي كل الأحوال صفراً مُكعّباً ، حيث أنّ الشيخ نعيم قاسم ظهر بالأمس ليزفّ البشرى للبقاعيين ، بأنّ قبضته الحديدية ما زالت مُطبقة على رقاب العباد لمدة ست سنوات إضافية، عسى أن تنهض الثنائية الشيعية بتوفير فرص العمل، والماء والكهرباء والأمن والأمان لجماهير البقاع الصامد والصابر، الذي لا بُدّ أن تحين ساعة الحساب، فيسأل سماحة الشيخ وعطوفة الرئيس: هل اخترتم رجالاً أكفاء يشبهون بعض الشبه عمدة لندن الجديد، كي نطمئن على مصير الطائفة والوطن؟ أم أنّ الحسابات الضيقة، والمصالح الحزبية المتهافتة هي التي أملت عليكم خياراتكم؟ فأسندتم المناصب لمن تتوسّمون فيهم الطاعة والامتثال، ووضعتم على الرّف كل الفعاليات العلمية والاجتماعية والإدارية، حتى لا تُفسد أجواء "العرس الديمقراطي" الذي زفّه لنا فضيلة نائب الأمين العام لحزب الله، دام ظلُّه، بل دام ظلّهما.

  ثالثاً: فلنتوقع إذاً "أعراساً" عامرة يوم الأحد القادم في الضاحية الجنوبية لبيروت، وبعد ذلك في الجنوب، حيث من المفترض أن تكتمل أفراح الشيخ ، فيزف لنا كوكبة جديدة من رؤساء البلديات التي اختارها فضيلته، ولكن هذه المرة بالمشاركة والمناصفة مع الرئيس نبيه بري، ولا زالت الأفراح عامرة في دياركم.