حزب الله بدل ان يطوّع المجتمع المحلي نجح هذا المجتمع في فرط حزب الله داخل العديد من القرى والبلدات. حيث بدا مرشحوه في لوائح متقابلة.

آثار صفعتين كبيرتين بدتا ظاهرتين على وجه نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده الساعة 11 من صباح الإثنين، بعدما أجّله من الساعة 11 من ليل الأحد.

الصفعة الأولى تلقّاها في مدينة الهرمل، بسقوط رئيس إتحاد بلديات الهرمل ورأس اللائحة مصطفى طه، في الإنتخابات البلدية داخل بلدته. والثانية في مدينة بعلبك حيث فازت لائحة حزب الله بـ54 % من عدد أصوات الناخبين، لتحالف مكوّن من حزب الله وحركة أمل والحزب القومي السوري واتحاد قوى الشعب العامل ومؤسسة مخزومي وجمعية المشاريع (الأحباش) والحزب الشيوعي اللبناني والتيار الوطني الحر واميل رحمة وتجمع اللجان والروابط وحزب البعث. كلّ هؤلاء قال لهم “لا” 46 % من الأصوات التي ذهبت إلى لائحة العائلات.

مع ذلك خرج الشيخ نعيم قاسم، في مؤتمر صحافي، وأعلن انتصاره.

عندما قرّر حزب الله خوض الإنتخابات البلدية بالتحالف مع حركة أمل، كان الهدف من هذا التحالف تزكية اللوائح المشكلة من هذا التحالف، وعدم الدخول في عملية انتخابية يحكمها التنافس الإنتخابي الذي يكشف الأحجام الفعلية سواء لحزب الله أو حركة أمل أو المستقلين، ومنهم العائلات.

لكنّ اللافت في منطقة بعلبك – الهرمل حصول معارك انتخابية وتنافس جدي. وقد برزت ظاهرة غير مسبوقة على صعيد البنية التنظيمية لحزب الله. فالتكليف الشرعي الذي يستخدمه حزب الله لإلزام الناخبين انتخاب مرشحيه، (باعتبار الإمام المهدي هو الذي يقود لوائحه البلدية او النيابية) لم ينجح في العديد من الدوائر. وكان المحازبون أوّل من خرج عليه من خلال الخروقات.

حزب الله لم يستطع في الإنتخابات البلدية، في كل بلدات البقاع، الإتيان بلائحة من الحزبيين.  في الانتخابات النيابية مثلاً لا يخطر في بال حزب الله تسمية نواب شيعة من غير محازبيه. بمعنى أنّه لا يعتبر غير المحازبين، حتى لو كانوا مؤيدين له ومن أنصاره، مؤهلين لأن يسميهم في كتلة الوفاء للمقاومة. هذه العقلية هي الأساس لدى الحزب. فإذا كان قادرًا على تسمية المحازبين وضمان نجاحهم فهو لا يمكن أن يأتي بغير المحازبين.

في بعلبك – الهرمل، رغم التحالف مع حركة أمل وبقية أحزاب 8 آذار، ورغم الضخّ المالي في العملية الإنتخابية وشراء الأصوات، كشفت الإنتخابات البلدية أنّ هذا التحالف حقق فوزًا في نحو 45 بلدية، وعجز في نحو 20 بلدية عن تشكيل لائحة. فانقسم محازبوه بين اللوائح ترشيحًا وانتخابًا. وفي هذه الناحية يمكن ملاحظة أنّ حزب الله بدل أن يطوّع المجتمع المحلي نجح هذا المجتمع في فرط حزب الله داخل العديد من القرى والبلدات. حيث بدا مرشحوه في لوائح متقابلة.

هذا ليس مجال افتخار لحزب الله بل دليل ضعف، كما حصل في بدنايل على سبيل المثال. إعتماد حزب الله هذه الطريقة لم يكن سببه ترك الخيار للعائلات، بل لأنّه لاح أمامه احتمال الهزيمة أمام المجتمع المحلي فتراجع مرغما لا ترفّعاً.

في بريتال وفي بعلبك أدرج الشيخ نعيم قاسم المعركتين في إطار سياسي. نسب الاعتراض السياسي في البلدتين لا يستهان بها. في بريتال استخدم المال وجرى ابتزاز عوائل الشهداء، واستحضر الإمام المهدي، وتم استخدام وسائل رخيصة من قبيل طلب حلف اليمين من ناخبين وناخبات من أجل الاقتراع للائحة حزب الله. وطلب ممن كان يشكّ بخياراتهم أن ينتخبوا بطريقة علنية واستخدم المال الانتخابي مع المحتاجين بطريقة مؤسفة.

أما في بعلبك فالتحالف الذي أداره حزب الله بالعصبية والمال وتحت سطوة السلاح والسلطة الفعلية، أظهر بوضوح أنّ حجم الاعتراض على حزب الله أكير من حجم التأييد له. ولو ترك الأمر للناس بلا ضغوط لخسر الحزب بفارق معقول.

46 % هو رقم كبير وتاريخي، رغم الإمكانات البسيطة وغياب الدعم المالي والسياسي والإقليمي. حالة الاعتراض باتت 46 % في بعلبك والهرمل، وليست بين 10 و 30 % كما كان يسوّق، بخفر، المعترضون على حزب الله وعلى الثنائية الشيعية.

إنتخابات البقاع اظهرت أنّ المجتمع المحلي، الذي تجرأ على سطوة الحزب وسلاحه وماله، وعلى التعبئة المذهبية وشعارات التخويف من داعش واخواتها، أظهر أنّ المستقلين الذين يرفضون ويقاومون سطوة حزب الله حالة لا يستهان بها.

اليوم نشهد تقهقر حزب الله في بيئته، في خزّان مقاتليه وبيئته الحاضنة، بين بعلبك والهرمل. سقطت أسطورة التكليف الشرعي جزئيا، وسقطت سطوة “دم الشهداء”. وبات الأهالي يعرفون أن حزب الله، ومسؤوليه خصوصا، يريدون “ابتلاع” المغانم والمناصب.

في بيروت كان للائحة “بيروت مدينتي” دعم شعبي ورسمي وسياسي ومالي، ورغم ذلك خسرت بفارق كبير أمام تيار المستقبل، المفلس ماليا، والمأزوم سياسيا. أما في بعلبك فكاد حزب الله يخسر أمام بعلبك مدينتي لكن “باللحم الحيّ”.

 

 

(صدى البلد)