لو سألنا أنفسنا بداية عن الأطراف التي تتنافس وتتصارع في الإنتخابات البلدية التي تجري هذه الأيام في لبنان والتي شهدنا مرحلتها الأولى يوم الأحد الفائت، لما استطعنا الإجابة بسهولة لأن المشهد العام فيه من التعقيد والتداخل ما يصعب من الإجابة بالخصوص أن طبيعة الإنتخابات البلدية بما تشكل بذاتها كاستحقاق محلي متصل بشكل مباشر بالمنطقة أو القرية والمدينة وخصوصيات كل واحدة منها على حدّ يزيد من صعوبة الإجابة.

  إلا أن هذه الإنتخابات بالذات، فإنك تكاد تتلمس وجود خيط سري يجمع بين كل مجرياتها على اختلاف المناطق اللبنانية والهويات السياسية المتواجدة فيها التي أجرت انتخاباتها، أو تلك التي سوف تشهد انتخابات في الأسابيع القادمة. 

ولعل العاصمة بيروت وما جرى فيها تعكس بشكل لا يترك معه مجالا للشك ما نحاول أن نرمي اليه، فاختصر التنافس (الصراع) فيها بين لائحتين اثنتين بيروت مدينتي - البيارتة، الأولى وتضم مجموعة من فاعليات المجتمع المدني ليس لها أي علاقة بالجسم الحزبي المعروف على الساحة اللبنانية فيما اللائحة الثانية استطاعت بقدرة قادر أن تضم تشكيلة واسعة من كل الأحزاب المتحالفة والمتناقضة. 

مما يعني بلا شك ولا ريب أن التنافس في بيروت إنما كان بين القوى الحزبية من جهة وبين المجتمع المدني من جهة أخرى، وهذا بالتحديد ما كان أشار له الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في إطلالته الاخيرة، وقد أحسن التوصيف لطبيعة الصراع بالرغم من محاولته من موقعه كأمين عام حزب سياسي أن يشوش المشهد بحديثه عن معادلة غير موجودة بالخارج بخلطه بين ما هو مدني ليطرح مقابله ما هو عسكري، وحديثه عن المشاركة المفترضة بين المجتمع المدني مع الأحزاب فيما الحقيقة تقول أن فرز الإجتماع اللبناني المرتقب هو بين مدني وحزبي وليس بين مدني وعسكري.

  أدّعي أن في وجدان الشعب اللبناني وعند شريحة واسعة جدا منه يُخلق وعي جديد وثقافة جديدة تجعل من الأحزاب اللبنانية بكل تفرعاتها وأشكالها أقرب ما تكون إلى الأنظمة العربية المهترئة، فالحزب أيّ حزب على الساحة اللبنانية هو بنظر المثقف والواعي لا يفترق بشي على الإطلاق عن أي نظام عربي أو نظام في هذا العالم الثالث المتخلف .

وإن كنا لسنا هنا في وارد تفصيل وجه الشبه بين الإثنين، إلا أنه يكفينا أن نذكر آفتين مشتركتين، استبداد ودوامية (إلى الأبد) رأس الهرم في أيّ من الأحزاب بدون استثناء مع التذكير في هذا السياق بقانون التوريث العائلي المتخلف.

والأمر الثاني هو الفساد والفشل في مشروع التنمية، يكفي هاتين الميزتين اللتين تجمع بين الأنظمة العربية من جهة وبين أحزابنا اللبنانية من جهة أخرى للقول بأن الأحزاب صارت تشكل حجر عثرة أمام عجلة التاريخ والتقدم في لبنان.

  لم تعد الأحزاب في لبنان كما هي الحال عند الأنظمة العربية تمتلك قابلية الحياة، وما هذا الاتحاد الهجين فيما بينها إلا محاولة أخيرة منها لشد أواصر بعضها بعضا لتأمين شيء من الإستمرار القسري في وجه الخطر القادم لا ريب، وهذا ما دلّت عليه نتائج الإنتخابات الأولية أن في بيروت من خلال النسبة الجيدة التي حصلت عليها لائحة بيروت مدينتي أو من خلال التعبير عن نسبة المشاركة المتدنية وكذلك هي الحال في بعلبك وزحلة وبريتال، وما سوف تكون في الجنوب وطرابلس وجبل لبنان وكل المحافظات.

يبقى لا بد من القول أن اجتماع الأحزاب على باطلهم يحتم على المجتمع المدني وقواه التغييرية المزيد من الإتحاد والمثابرة مما يقصر زمن حتمية التغيير لا محالة، واعتبار أن الإنتخابات البلدية ما هي إلا بداية إرهاصات هذا التحول الآتي ولو بعد حين.