يعبرُ عبد الناصر قناة السويس بقدمين مصريتين فتسقط مصر بعدوان ثلاثي يعيد العرب الى ما قبل نقطة الصفر ومن ثم يتنحى عن السلطة فتزحف اليه الجماهير المهزومة لتنتصر بالناصرية التي أذاقتها مرّ السلطة ويوزع الرئيس العربي المقاومة الفلسطينية كهدايا ثورية على دول ترضخ لعصاه الغليظة فيستلم لبنان هديته ويفتح بذلك باب سعده بحرب أهلية تدمرّ " سويسريته " وتلحقه بدول الجوار العربي ويستلم الفلسطيني أمن لبنان ويبدأ مشواره الطويل وصولاً الى فلسطين عن طريق جونية وتدمير الجنوب لم يتمكن من الوصول لأنه اتبع الطريق الخاطئة فجاءت اسرائيل عدوته اللدودة وأخرجته من لبنان تجاه قبلة يرضاها فكانت تونس ثالثة الآثافي بعد الأردن ولبنان .

رفع أبو عمار اشارة النصر على متن الباخرة التي أقلته من مرفأ بيروت تحت عدسة بندقية يهودية كانت مصوبة الى كوفية كفاحه المسلح . لم يقاتل أبو عمار يوم دخل الاحتلال ووصل بيروت بسرعة الصوت وكان ينتظرها ببخوش الدبابير كما كان يخطب في أعراس فلسطين ومناسبات ولادات الحركة الوطنية ابنته التي أفسدها وعلمها شغل البارات الليلية أو أنها ولدت مومساً من أبوين عاهرين .

لم نعد نرى من مرّوا من هنا وهناك وهنالك تغيرت اللحى مات غيفارا سقط كاسترو بالضربة القاضية هُزم ماو استسلم ستالين ومعه آخرون من رفاق الثورات ودُفن ميشال عفلق وشُيع انطون سعادة الى "خشخشته " وبُح جورج حاوي ودخل محسن ابراهيم خلسة في سرداب منشوره الحزبي ليغيب غيبته الكبرى تاركاً سفراء له يتقاسمون فيما بينهم مال الثروة وهرول الباقون من أذناب أبي عمار لمسح أرجل حافظ الأسد العائد من طبريا طوعاً ليحرر لبنان قبل الجولان فنسي الأخير وبقيّ في لبنان بعد تحريره محتلاً له وقد لازمه نبيه بري ووليد جنبلاط ورهط أقلّ شأناً من الباحثين عن متاع السلطة التي بيعت لغازي كنعان ومن ثمّ لرستم غزالي الذي تنقل فيها ولم يترك صغيرة أو كبيرة الاّ و أحصاها ووضع لها الميزان الخاص بزبائن منتقين بدقة مخابراتية متناهية .

ودّع الأسد الكبير عرينه وسلم الشبل الصغير لبنان ليلعب به ويتعلم من خلاله فنّ السياسة فلم يفلح سقط في الامتحان ولكن ليس بمقدور أحد أن يقول له ذلك بل الجميع مدحو سقوطه المروع واعتبروه نصراً عربياً كبيراً لم يشهدوه من أيام خالد ابن الوليد وصلاح الدين الأيوبي طبعاً لم يسترجع الأسد الصغير الجولان ولكن حكم لبنان من قفاه الى أن مات رفيق الحريري وضاع دمه بين القبائل وقامت قيامة ثورة الأرز وهرب الجيش العربي السوري بسرعة البرق من أرض المعركة بقرار أميركي جدي وبكاه ونوّح عليه الكثيرون من بكائي الشيعة ومن المنتفعين من حكم الوصاية السورية .

بعد مُدّة تبيّن بأن ثورة الأرز ما هي الاّ ثورة أرز وقد مُزق البلد بين فريقين أوجبا الرحمة على تاريخ لبنان القديم وتبيّن أن نتانة عظام قادته القدماء مسك وعنبر قياساً مع رائحة ما شممناه من جيل سياسيّ لبنان النجباء والعظماء .. لقد سكت الجميع لحظة ضياع سورية بحرب مدمرة وتبيّن وهن أعتى الأنظمة العربية استبداداً وباتت الممانعة العربية مجرد خيط من شبكة عنكبوت على حائط مهجور وفاع الجميع بعد سكوت ولم يتركوا وسيلة الاّ واستخدموها للدفاع عن نظام من المستحيل أن يعود الى الوراء أو لهدم نظام يملك فرصة أن يتكرر لوراثة السوريين للاستبداد بصيغة البعث الكيماوي والسيف الاسلامي المسلول .

انصتوا مازال يخطب ماذا بعد حيفا ؟ حلب ؟ الموصل ؟ صنعاء ؟ مكّة ؟ ومُدُن وعواصم أخرى ؟ اذاً المعركة لم تبدأ بعد وما يحصل هو مجرد تحضير أو تدريب أو مُقدمات أولية تأهباً لأمّ المعارك على طريقة صدّام حسين الذي وقع في جورة وهو يقود جيشاً من العلوج لتحرير العراق من الجرذان وفلسطين من الخنازير والقرود .