الصور في كل مكان، على جدران الأبنية وتتصدر واجهات المحلات وتتدلى من أعمدة الكهرباء والهاتف، في الشوارع بين الأحياء داخل الزواريب، صور المرشحين للإنتخابات البلدية والاختيارية في بعلبك المدينة. واليافطات مرتفعة تربط جانبي الطرقات وتحمل عبارات تستثير الناس وتحثم على الاقتراع لمصلحة أصحاب هذه اليافطات التي تبدو بصمات حزب الله واضحة على اكثريتها من خلال الشعارات الاستفزازية والتي تشيد بالعائلات والشعائر ووصفهم بأهل الكرامة والوفاء والتاريخ المجيد الذين لا تليق المقاومة إلا بهم، وتدعي الإنجازات في مشهد يوحي بالاستخفاف بعقول الناس وتفوح منه روائح الشحن المذهبي وإن كان يأخذ الطابع الحزبي، مع غياب واضح للحقائق التي تفتقدها هذه الشعارات.

المقاومة ودماء الشهداء هما الحاضر الأكبر في شعارات المرشحين الذين اختارهم حزب الله وجمعهم في لائحة لخوض الانتخابات في مدينة الشمس مع دعوة صارخة للمواطن للاختيار بين هؤلاء باعتبارهم يمثلون الخط المقاوم وبين مرشحي اللائحة الأخرى الذين لم ينالوا شرف الحصول على شهادة في المقاومة من الحزب مستندا بذلك إلى تكليف شرعي موحى إليه من الله سبحانه وتعالى يضع حدا فاصلا بين طريقين. أحدهما الطريق المقاوم الذي يؤدي بالناخب إلى جنات تجري من تحتها الأنهار. والآخر الطريق غير المقاوم ينتهي بسالكه إلى جحيم النار وغضب الجبار.

فالخطاب الذي يعتمده حزب الله في الترويج لمرشحيه خلال الجولات الإنتخابية وفي اعلامه واعلاناته يرتكز أولا واخيرا على المقاومة ودماء الشهداء. ولكن من دون التوضيح عن أي مقاومة يتحدث وأي مقاومة هي المقصودة؟

هل هي مقاومة العدو الإسرائيلي؟ علما بأن حزب الله ومنذ حرب تموز عام 2006 لم يزعج خاطر إسرائيل بأي عملية عسكرية على أي من مواقعها المنتشرة على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وذلك التزاما منه بالقرار الدولي الذي يدعو إلى وقف العمليات الحربية بين لبنان وإسرائيل؟

ام هي مقاومة الشعب السوري لتهجيره من أرضه بعد ان انخرط الحزب إلى جانب رئيس النظام السوري بشار الأسد في حرب مدمرة تستهدف الحجر والبشر على كافة الأراضي السورية فكان شريكا للنظام في قتل شعبه وتدمير بلده؟

ام مقاومة خصومه في السياسة في لبنان عندما اجتاح بيروت في السابع من أيار عام 2008 حيث وصف الأمين العام لحزب الله السيد حسن الله ذلك اليوم باليوم المجيد؟ ام مقاومة حليف اليوم وعدو الأمس حركة أمل حيث خاض في اواخر الثمانينات من القرن الماضي حروبا ضدها في جنوب لبنان وفي الضاحية الجنوبية لبيروت ذهب ضحيتها مئات القتلى واضعافهم من الجرحى عدا الدمار والخراب الذي حل في أماكن القتال ومناطق المعارك؟

ام مقاومة بعض العائلات والعشائر في منطقة بعلبك دون ذكر أسمائها كي لا نكون سببا في نكأ جروح الماضي. وهي معروفة على كل حال. حيث استهدفها حزب الله بعمليات عسكرية الغرض منها التأديب والإذلال؟

أم مقاومة الفساد الذي تفوح روائحه من كافة مؤسسات الدولة التي يشكل حزب الله أحد مكوناتها الأساسيين؟

ام مقاومة الحرمان الذي يجتاح البلاد من أقصاها إلى أقصاها بعد أن ساهم حزب الله بانتشاره على شكل واسع بسبب إصراره على تعطيل المؤسسات الدستورية في البلد ابتداءا من الشغور الرئاسي وصولا إلى تعطيل المؤسسة العسكرية مرورا بتعطيل الحكومة والمجلس النيابي والقضاء وأجهزة المراقبة والتفتيش؟

ام مقاومة الأمن الذي تفتقده منطقة بعلبك بسبب العراقيل التي يضعها حزب الله إمام الأجهزة الأمنية كي تتولى تثبيته فيها؟

هذه المقاولات عفوا المقاومات التي احتكرها حزب الله لنفسه سال على اعتابها دماء الألاف من الشبان المغرر بهم تحت ذرائع شتى كان الحزب يستولدها في الوقت المناسب للحدث المناسب. مع وعود بإحدى الحسنيين إما النصر واما الشهادة مستغلين بساطة هؤلاء الشبان وفقر أهاليهم وحاجتهم إلى ما يقيهم الجوع ونكد الحياة.

وهذه هي المقاومات التي يخوض حزب الله الانتخابات البلدية والاختيارية في بعلبك على أساسها بعد أن ضرب أهم مورد لهذه المدينة وهو السياحة بسبب تغطيته للمخلين بأمنها. فلا هو يبادر إلى معالجة المشكلة الأمنية فيها ولا يفسح في المجال للمؤسسة العسكرية لمعالجتها بألقاء القبض على المطلوبين الذين يحميهم داخل مربعاته الأمنية.

فمن فاته من الأجيال الشبابية او ممن خانتهم الذاكرة نقول أن هذه هي مقاومات حزب الله التي يخوض الإنتخابات على أساسها. واليوم فإنه يحاول القضاء على ما تبقى من معالم الحياة في هذه المدينة الأثرية من خلال إصراره على الإتيان بمجلس بلدي كي يتمكن من الاطباق عليها بوضع يده على أهم مفاصلها مستخدما أكثر الأساليب خداعا ومراوغة. فتارة باسم دماء الشهداء والمقاومة وأخرى بإسم التكليف الشرعي. وكأن حزب الله يملك وكالة حصرية من الله لتحديد مصير ومستقبل الناس والبلاد.