عمق لجوء رئيس المجلس الإسلامي الأعلى عمار الحكيم إلى مراجع الشيعة في مدينة النجف، من طبيعة الخلاف بين ما يسمى بـ”البيت الشيعي” على وقع الأزمة المتصاعدة في العراق.

وقال المجلس الإسلامي في بيان إن “عمار الحكيم التقى المراجع الشيعية في النجف الأشرف” من دون أن يوضح ما إذا كان المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني قد وافق على مقابلة الحكيم.

وكان السيستاني قد أعلن رفضه مقابلة أي من السياسيين وزعماء الكتل النيابية، وتوقف مساعدوه عن تناول الشأن السياسي في خطب صلاة الجمعة.

وطالب الحكيم خلال لقائه بمراجع الدين في مدينة النجف بضرورة دعم إصلاحات شاملة بعيدا عن الحلول الترقيعية، رافضا “السماح لأدعياء الإصلاح بركوب الموجة”.

ويرى المراقبون أن توجه الحكيم إلى أعلى مرجعية شيعية يوضح عمق الخلاف القائم خصوصا بعد تصريحات له هاجم فيها مقتدى الصدر وأتباعه من المتظاهرين من دون أن يذكره بالاسم.

وسعى الحكيم في تحركه في اتجاه المرجعية في النجف للاستقواء بخيمتها ضد الصعود المستفز لنجم الصدر، فما بين العائلتين منافسة عتيقة داخل البيت الشيعي.

ويدرك الحكيم مع عتاة البيت الشيعي أن الصدر يتصدّر المشهد في إيران بصفته حليفا لها وليس تابعا.

ولا ضير بالنسبة للمسؤولين الإيرانيين من كسب الصدر بنفوذه وشعبيته وعلاقاته المتنوعة، حتى من موقع التباين لا الموالاة. وما يهمّ طهران هو الحفاظ على البيت الشيعي تحت رايتها، وألا تتجاوز الخلافات داخله سقف الولاء لها.

واستعر الصدام بين عائلتي الحكيم والصدر بشكل حاد حين عمل محمد صادق الصدر، والد مقتدى، في التبشير لمرجعيته. قيل حينها إن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الذي أسسه محمد باقر الحكيم في إيران أثناء الحرب العراقية الإيرانية، قد بثّ إشاعات عمالة الصدر لنظام صدام حسين آنذاك.

وبات الخلاف المستمر داخل البيت الشيعي العراقي يستدعي شد عصب الطائفة في اتجاه السقف النجفي الذي تمثله مرجعية السيستاني.

ولا تعني سلامة البيت الشيعي إيران فقط، ذلك أن واشنطن ما زالت تعتبره حصانها الرابح في العراق، وأن لعب ورقة حيدر العبادي، القوي، حسب تصريحات أشتون كارتر وزير الدفاع الأميركي، تتوافق مع لعب إيران أوراقا مكمّلة تهدف في النهاية إلى تمكين البيت الشيعي دون غيره، من أن يكون القاعدة الأساس لاستراتيجية البلدين في العراق.

وليس الاستقواء بمرجعية السيستاني بعيدا عن مزاج واشنطن التي طالما نسجت مع المرجع في النجف أعلى درجات العلاقة والتنسيق.

ولم يكن يسيرا على المراقب للشأن العراقي تصديق أطروحات الصدر واعتبارها من خارج الاصطفافات المرتبطة بإيران، ولم يكن ممكنا أيضا وضع حراك “التيار الصدري” في إطار تحرك مدني عابر للطوائف ضد هيمنة مذهبية على الحكومة المركزية في بغداد.

لكن من المهم الاعتراف بأن الصدر لطالما اتخذ، في مفاصل حرجة سابقة، مواقف لافتة لصالح وحدة العراق وتجاوز حدود مذاهبه، وطالما كان ندّا مزعجا للقيادات الشيعية الأخرى، دون إهمال تورّط الميليشيات الصدرية في ارتكاب انتهاكات مذهبية في مرحلة ما بعد الغزو.

وقال مراقب سياسي عراقي “قد تحتمل إيران حراكا شعبيا مدني التوجه أو سنّي الهوى ضد المركز في بغداد، لكنها لا تحتمل هذا التمزق الخطير الذي مثّله حراك الصدريين واختراقهم للمنطقة الخضراء واقتحامهم مبنى البرلمان، كما لا تحتمل الهتافات الشيعية التي صدحت؛ إيران برا برا”.

ولا يخفى أن حراك الصدر لم يكن موجّها فقط إلى الشركاء الشيعة داخل البيت الشيعي، بل في اتجاه طهران مباشرة، وهو ما فهمه الإيرانيون والتقطوا إشاراته.

ولم ينجح تحرك طهران في رأب الصدع داخل البيت الشيعي حين استدعت الصدر ونوري المالكي إلى بيروت في محاولة لاستخدام “مرونة” حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله اللبناني لإصلاح ذات البين بينهما.

 

صحيفة العرب