تزامنت الأحداث التي شهدتها المنطقة الخضراء في قلب بغداد مع استمرار الجدل حول الدور الذي لعبه "حزب الله" في ترتيب العلاقات بين شيعة العراق، عندما أوحَت القيادة الإيرانية بأنّ "مرجعية الضاحية" يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في التوفيق ما بين مرجعيّتي "النجف" و"قم". وبعدما قامت الضاحية بالواجب، ما هي النتائج التي حصَدتها؟ لم تُفاجئ أحداث المنطقة الخضراء التي قادها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أيّاً من المرجعيات العراقية وبعض اللبنانيين الذين سعوا الى تجنّب ما وصلت اليه الأمور بين المكونات الشيعية العراقية على خلفية النزاع القائم بين مرجعياتهم المختلفة وفقدان كل أشكال التنسيق في ما بينها على وقع النزاع حول السلطة في عراق ما بعد صدام حسين وانتهاء حقبة الغزو الأميركي للبلاد.

 

ويعترف بعض زوار العراق العائدين الى بيروت أنّ البلاد العراقية تعيش وجهاً من وجوه النزاع الذي يعيشه اللبنانيون ما جعلَ أوجه الشبه عميقة وكبيرة بين التجربتين العراقية واللبنانية.

ولا بد من جدول مقارنة بوجوه الشبه بين العراق ولبنان جرّاء النزاع بين القيادات الشيعية حول التركة الأميركية بعد صدام حسين في بلد ينعم بثروات كثيرة، فعاثوا فساداً على كل المستويات وصولاً الى تدمير العلاقات بين المكونات العراقية وولادة الكانتونات الكردية والسنيّة والشيعية الى أن كان بزوغ فجر الدولة الإسلامية في العراق وسوريا "داعش" التي وضعت اليد على مساحات واسعة على أنقاض حكم عدّ تطرفه سبباً في كل ما جرى هناك، الى أن اتهم نوري المالكي بتسليم المناطق تسليماً نتيجة سياسته التي ارتبطت باهتمامه حصراً بالقوة الشيعية دون سواها من المكونات.

وعلى غرار التركيبة اللبنانية، فقد اندلع النزاع بين أجنحة الحكم، فكان مسلسل المعارك والمواجهات الداخلية جرّاء ملاحقة بعضهم بعضاً. وتحدث العراقيون عن فضائح، وتحديداً بين من أمسكوا بالسلطة الفعلية نتيجة تزاوج غير طبيعي بين القوتين الأميركية والإيرانية المؤثرة في الحكم العراقي والتي ترجمها بأفضل صورة المالكي، الى ان كانت السقطة الكبرى في الموصل وقيام دولة "داعش"، حيث بدأت مرحلة التفكك.

وتعاظم الدور الإيراني واختير حيدر العبادي بديلاً من المالكي على أساس أنه نسخة منقّحة ويمكن ان يشكل صلة وصل جديدة بين المكونات العراقية، لكنّ ذلك لم يتحقق بدليل وقوع الأزمة الحكومية بسبب الإنقسام الشيعي - الشيعي، فتعثّرت مهمة العبادي الى حين انفجار الشارع العراقي وانقسامه الحاد بين مرجعياته الشيعية على وقع النزاع الدامي مع الأكراد والسنّة وبقية المكونات من جهة و"داعش" من جهة أخرى.

ويعترف قادمون من بغداد أنّ فشل الوساطات الإيرانية دفع طهران الى إحالة الملف الى قيادة "حزب الله" لعلّها تستطيع استيعاب الوضع. فقادت وساطة بين العراقيين ترجمتها الزيارات التي قام بها، بالإضافة الى الصدر، زعماء شيعة آخرون من بينهم المالكي الذي قيل إنه في بيروت منذ فترة لإدارة معركة العودة الى السلطة، لكنّ الجهود التي بذلت الى اليوم لم تؤت ثمارها، فكان ما كان من تطورات دراماتيكية ترجمها تحرّك الصدريين واحتلالهم البرلمان.

وختاماً، لا بد من الإشارة الى أنّ أولى بوادر الفشل تجلّت في المواجهة الصدرية مع القيادة العراقية الحالية الى درجة بلغ فيها مناصرو الصدر حدّ المناداة بشعارات "إيران برّا برّا" التي رفعت على أعتاب المنطقة الخضراء ومؤسساتها دليلاً على وجود دعوة للتمرّد على الراعي الإيراني، وهو ما يشكل تطوراً سلبياً إستدعى طلباً ايرانياً طارئاً للصدر ليتوجّه الى طهران لتسوية المشكلة، وربما الإعتذار عمّا بدرَ من مناصريه تجاهها.

ثمّة من قال إنّ الصدر أبلغ الى قيادة "حزب الله"، قبل أن يغادر بيروت، أنّ ما يهمه هو وحدة العراق والعراقيين بكل أطيافهم وقومياتهم ومذاهبهم، وليس الشيعة فقط، من دون أن يقدم أيّ تعهدات أو وعود بعودة تياره إلى اجتماعات التحالف الشيعي الوطني، الذي يتزعّمه إبراهيم الجعفري نتيجة الخلافات التي عصفت به.

وهو ما طرح سؤالاً حول معادلة جديدة تتحدث عن حجم "مرجعية الضاحية الجنوبية" ودورها في تسوية الخلافات ما بين مرجعيتي "النجف العراقية" و"قم الإيرانية"، والتي عليها سيتوقف مدى تجميعها لأوراق القوة في العراق وسوريا كما في لبنان.

(جورج شاهين ـ الجمهورية)