بعد جلاء أول معركة انتخابية برلمانية بعد اتفاق الطائف عام ١٩٩٢، اكتسحت لائحة التنمية والتحرير، التي تزعمها يومها رئيس حركة أمل نبيه بري، وحلفاؤه : حزب الله وحزب البعث والحزب القومي السوري، وبعض الشخصيات التي تحدّرت من رجالات الإقطاع القديم. يومها قال النائب السابق الراحل يوسف حمّود، الذي كان أحد ضحايا التحالف، شأنه شأن رئيس المجلس النيابي السابق، الراحل كامل الأسعد: إنّها أنزه انتخابات مزورة، صحيح أنّه لم يؤثر عن الراحل حمود، الكثير من الأقوال المأثورة، لكن قوله هذا، عكس طبيعة ما جرى على أرض الواقع، كانت انتخابات نزيهة بكل المعايير، لم تشبها شائبة، سوى بعض المضايقات التي تعرّض لها رئيس المجلس النيابي السابق، إلاّ أنّها كانت مُزوّرة، كما حدس حمود، بمعنى أنّها مُعلّبة على قياس الأحزاب والزعامة "البرّية" الصاعدة، فحصدت اللائحة ، وبأرقام عالية جداً، المقاعد النيابية كلها، والبالغ عددها أكثر من عشرين نائباً، وكذلك حصل في منطقة البقاع بعد أسبوع واحد، إذ قال الرئيس برّي( لم يكن يومها رئيساً) بقولٍ ساخر، يشتهر به ويُتقنُه، بأنّ "المحدلة" ستنتقل إلى البقاع الأسبوع القادم، وقد شاع من يومها مفهوم "الحدل الانتخابي"، تأسيساً على محدلة الرئيس، والنتيجة كانت يومها فاقعة جداً، فالمواطنين الذين يُعدّون بعشرات الآلاف، ولم يكونوا من أنصار التحالف، فُرضت عليهم شخصيات لا يعرفها الناس، إلاّ من أخبار الحرب الأهلية، أو الصراعات الميليشياوية التي شهدها لبنان أثناء الحرب الأهلية المديدة، وما تلاها من تصفية حسابات حزبية، واقتحام مواقع على حساب بعضها البعض.

واليوم في الجنوب والبقاع، يُعاود حزب الله وحركة أمل التحالف الانتخابي البلدي، بعد جولتين تنافسيّتين سابقتين عام ١٩٩٨ ، وعام ٢٠٠٤، ممّا سمح للعائلات والقوى اليسارية والمستقلة أن تنعم بهامش من الحيوية الانتخابية والوصول إلى بعض المواقع، وقد حصل ذلك بفضل التنافس المعلن. حتى حلّ العام ٢٠١٠، فسحبت حركة أمل ومعها حزب الله التحالف الانتخابي النيابي على الانتخاب البلدي، وهذا يُعيد تقاسم النفوذ والمصالح حسب توجهات الفريقين، فالتحالف يستبعد حُكماً الكفاءات القيادية والتي يمكن أن تجد لها مكاناً في سلطة محلية، أمّا الضحية فهي مصالح الناس، وتحسين الخدمات، ووقف الهدر والفساد، وبانتظار "أنزه انتخابات مزورة" قادمة خلال الأسابيع المقبلة، لا يسعنا إلاّ التمنيات بأن يكون اختيار هذا التحالف" القدري" أخفّ وطئاً من خيارات تحالف عام ٢٠١٠، لئلاّ نتذكر قول النائب الراحل، كلّما نُظّمت انتخابات"نزيهة ومزورة"، وأُسقطت على رؤوس المواطنين "كجلمود صخرٍ حطّه السّيل من عل".