إن ثقافة التقريب فقدت علما كبيرا من أعلامها ، ثقافة التقريب التي تتعالى على الخلافات الطائفية والمذهبية والقومية. لقد نظر سماحته(رضوان الله عليه) إلى الخلافات المذهبية على أنها خلافات عشائرية أكثر منها خلافات عقائدية أو فقهية ، فالسبيل الوحيد للقضاء على الصراع المذهبي هو القضاء على التخلف. وعلى الرغم من اتفاق كبار علماء المسلمين على حرمة الفتنة وخطورتها ، وعلى الرغم من عشرات السنين من جهود التوحيد بين المسلمين ، فإن عناصر الفتنة الطائفية تبقى قائمة في واقعنا ، فحدث بسيط يمكن أن يحرق العقود الطويلة من التثقيف الوحدوي .

ظاهرة لافته للأنتباه وهي حقا تبعث على القلق ، فهل الخطاب التوجيهي للقيادات الاسلامية عاجز عن صناعة ثقافة الوحدة والتقارب ..؟! ما يحدث على الساحات الاسلامية اليوم ، يعطي جوابا بفشل الجهود السابقة ، والسبب يعود لضعف قوة التأثير ، فقد بقيت عبارة عن معالجات نخبوية تختص بالعلماء والمفكرين والمثقفين من السنة والشيعة . وهذا ما جعل مشاريع التقارب تفشل فشلا ذريعا ولا تعدو كونها استعراضات مهرجانية تنتهى صلاحياتها بعد أيام من انتهاء المؤتمر أو المحاضرة أو صدور كتاب أو بيان مشترك . إن التأزم الطائفي لا تعالجه فتوى دينية ، ولا تقضي عليه المؤتمرات الحوارية ، ولا تطفئه البيانات الدينية وإن كانت كلها ضرورية وهامة ، إنه حال ضاربة للجذور في مجتمعاتنا لأنه من النوع البركاني ، يخمد وينفجر من دون إشعار ، وهذا ما يستدعي أن يكون منهج المعالجة مختلفا تماما عما حدث ، فما هو المطلوب ؟ المطلوب هو وضع منهج كبير يتصدى له مفكرو الأمة ، لصناعة ثقافة جماهيرية تستنكر الفتنة الطائفية وترفض دعاتها ومثيريها وتدعو إلى النشأة والتربية منذ الولادة على محبة الآخر وتقبله مهما كان الاختلاف معه ، والوحدة الاسلامية هي هدفها الأسمى لخلق مجتمع تتحول فيه الاستفزازات الطائفية إلى كلمات خرساء غير مسموعة بعد نزع الكراهية والحقد للآخرين ، وأن ننطلق من الاسلام كعنوان رئيسي لنرى الآخرين مسلمين ...

كان سماحته(رضوان الله عليه) موضعا للاحترام والتقدير من الطائفتين الإسلاميتين الكبيرتين ، ومن غيرهم من الديانات الأخرى ، وبغيابه تتضاعف مسؤولية مراجع الدين ،في وقت تتمترس فيه المراجع خلف طوائفها دون تفكير جدي بجدوى التفتيش عن القواسم المشتركة ، وهو ما أفقدها المصداقية لدى هذا الطرف الإسلامي أو ذاك .. في ظل غياب سماحته تتزايد الأسئلة ، إذ بغيابه خسر المسلمون سنة وشيعة ما يجمعهم في زحمة التدافع والتنافر التي تخطط لها بعض الدوائر وتنفذها دوائر أخرى ،من شخصيات دينية وقنوات فضائية ، بعضها يحسب على أهل السنة وأخرى تحسب على الشيعة . وهم بعلم أو بغير علم يقدمون أكبر هدية للعدو المتربص بالإسلام من الصهاينة والمستكبرين ..