وكما في كل قرى الجنوب كذلك الحال هو في كفرصير، تلك القرية الجنوبية من قضاء النبطية والتي تعيش هذه الايام أجواء التحضير للانتخابات البلدية، ويسودها حالة من الإرباك والضياع، فلا هي تريد أن تستسلم لقيود الإتفاق السياسي الموقّع بين حركة أمل وحزب الله، ولا هي تستطيع أن تتخلى عن تاريخها العريق في العمل الديمقراطي والإنتخابات الحرة التي طالما خيّمت على أجوائها إن في انتخابات جمعية " الرابطة الخيرية لشباب كفرصير" أو حتى في ممارستها للإنتخابات النيابية .

فصندوقة الإقتراع والممارسة الإنتخابية بشقيها الإقتراعي أو الترشيحي يعتبر في الوجدان الكفرصيري أقرب إلى حفل فولوكلوري جميل يتشارك فيه أبناء الضيعة على اختلاف توجهاتهم وتنافسهم الساخن في أغلب الأحيان بروحٍ أهلية عالية ، ومستوى راقٍ جداً من الحرية وتقبل الآخر،  ففي الانتخابات السابقة عام 2010 وبالرغم من التحالف القوي بين حزب الله وحركة أمل وقدرات لائحتهما الكبيرة والمعروفة إلا أن هذا لم يمنع من تشكّل لائحة منافسة جمعت ثلةً من رجالات البلدة المستقلين والمدعومين بتاريخ عريق من العمل الإجتماعي والإنمائي في الضيعة وخارجها، ترأسها حينها رجل الأعمال والخير الحج عبد العزيز سبيتي ومعه ركن العمل الإجتماعي الأول الحج رشيد سكافي وأمثالهما من الشخصيات الفاعلة .

فعمّت البلدة أجواء تنافسية حضارية رائعة بحيث أنك لو أردت أن تميز عناصر الماكينات الإنتخابية لكل من اللائحتين المتنافسنتين لما استطعت إلى ذلك سبيلا إلا من خلال القبعات أو التيشرتات فقط، ولا عجب أن ترى حجم الإختلاط بينهما أو أن تشاهد مجموعات من هذه الائحة يقدمون الطعام والمياه لأقاربهم وزملائهم من تلك اللائحة .

ولا بد في السياق ذكر ذلك اليوم الانتخابي الكرنفالي البلدي الجميل من تذكر الجو الإعلامي الذي رافق العملية الإنتخابية في ذلك اليوم، بحيث اعتمدت كل لائحة من اللائحتين على تجهيز سيارة بيك أب خاصة محملة بمكبرات للصوت يصدح منهما صوت فيروز ويجول شوارع الضيعة، بواحد منهما أغنية " سوا ربينا سوا مشينا سوا قضينا ليالينا " ليرد عليه البيك أب الثاني بأغنية " لا إنت حبيبي ،،،ولا ربينا سوا " ... وتعلو الضحكات والقهقهات في كل مرة تلتقي السيارتين في ساحة الضيعة .

هذه الحالة الكفرصيرية يمكن تعميمها على معظم قرى الجنوب إلا ما ندر من أجواء تشنجية سلبية يمكن أن ترافق العملية الإنتخابية، وعليه فمن غير الصحيح ما يحكى عن تظهير أن التوافق السياسي بين أمل وحزب الله وكأنه حاجة ماسة أسقطت على أهل الجنوب من أجل تفادي مشاكل وأحداث يصور أنها حاصلة من دونه، ويروج خطأ صورة لا تمت إلى الواقع الجنوبي بأي صلة تقول بأن الإتفاق المسقط فوق رؤوسنا هو الكفيل عن حجب الدماء التي سوف تسيل بالقرى لو أنه غير موجود، مما يسيء بشكل كبير إلى أهالي الجنوب من خلال تصويرهم وكأنهم همج رعاع لم يرتقوا الى مصاف المجتمعات التي تمارس العمل الديمقراطي وهذا غير صحيح طبعا .

وهذا أيضا ما تكذبه محاولات التفلت العديدة من قيود الإتفاق، مع التسليم الواسع بأهميته على المستوى الوطني العام من دون الإقرار بفاعليته على مستوى القرى والبلدات كي لا يتحول كما هو حاصل من اتفاق سياسي يراد منه المحافظة على إنجازات الطائفة كما يدعي أصحابه إلى قيد يعطل الحياة السياسية داخل الطائفة، ومحاولات التفلت هذه نتلمّسها من خلال الترشيحات الواسعة من أفراد ومواطنين خارج القرار التنظيمي للأحزاب. 

وبالعودة إلى كفرصير والأجواء التحضيرية للإنتخابات، فيمكن القول بشكل واضح أن الخطوات المتبعة حتى كتابة هذه السطور ومن قبل الجميع بالضيعة توحي وكأن لا إتفاق يتحكّم بسقف المجريات، فاليسار قد استفاق من سباته الطويل ويعقد اجتماعات قد غابت عن الساحة الكفرصيرية للأسف ، وحزب الله يمارس ألاعيبه الإنتخابية كالمعتاد إن بطرحه للرئيس التوافقي لمدة ست سنوات (وهذا خلاف الاتفاق) ولو قد فسّر ذلك كمناورة لإزاحة حصة حركة أمل، التي ردت هي الأخرى بتسريع ترشح ابراهيم سلهب (اليسار) لتسكير الطريق على محمود قميحة (يسار) المدعوم من حزب الله وابن أخته فخري بدير أيضا ,, وهكذا بالنسبة لأعداد كبيرة من المرشحين على المقاعد الإختيارية .

كل هذا وذاك ما هو إلا مؤشر صريح وصرخة غير مباشرة من أبناء الجنوب وأهالي القرى التي تعتبر كفرصير مثالاً صارخاً عنها، يقولون فيها لقيادة حزب الله وحركة أمل بأن دعوا الناس تتنفس، وتمارس حريتها وقناعاتها على مستوى القرى والمدن لاختيار سلطاتها المحلية التي لا تتعارض مع توجهاتكم العامة، فهل تكون الرغبة والميول لإحياء الأجواء الإنتخابية الديمقراطية أقوى من الإتفاق في كفرصير وغيرها ؟ هذا ما نتمناه .