منذ اندلاع الثورات الشعبية في عدد من الدول العربية وهي تشهد متغيرات سريعة وتعيش أوضاعا غير مستقرة على الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية، ومن هذه الدول: سوريا ومصر وتونس والبحرين وليبيا واليمن، ويضاف إليها العراق الذي لم يشهد ثورة شعبية ولكنه يعيش وضعا سياسيا غير مستقر منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وإسقاط حاكمه صدام حسين.

وهناك دول أخرى شهدت حراكات شعبية محدودة ولكن لم تصل هذه الحراكات إلى مستوى الثورة كما حصل في سلطنة عمان والأردن ولبنان والسعودية والمغرب والسودان وقد نجحت سلطات هذه الدول في استيعاب التحركات الشعبية بأشكال مختلفة ولا تزال هذه الدول تعيش حالة من الاستقرار الأمني والسياسي رغم أنها تعاني من مشاكل متعددة.

لكن ما هو ملفت أن من يزور الدول العربية التي شهدت ثورات شعبية وعاشت تغييرا كبيرا (تونس، مصر، العراق) أو من يلتقي مواطنين من بعض هذه الدول ولم يتسن له زيارتها (ليبيا، اليمن، سوريا)، يكتشف أن المواطنين في هذه الدول يحنون إلى مرحلة الديكتاتورية وما قبل الثورات الشعبية أو ما قبل إسقاط الحكام الظالمين.

ويلحظ الزائر لهذه الدول أن المواطنين يتمنون العودة إلى مراحل الحكم السابقة لأنهم يواجهون مشاكل اقتصادية وأمنية ومعيشية وأن الثورات الشعبية والحكام الجدد لم ينجحوا في تحقيق مطالب الشعب بل زادت الأزمات المتعددة وأضيف إليها حالة عدم الاستقرار الأمني وفقدان السيطرة على البلاد وبرزت مخاوف من تقسيم هذه الدول إلى دويلات مذهبية وقبلية وطائفية وجهوية.

ومن أبرز المشكلات التي تواجهها هذه الدول: ازدياد الفساد، عدم الاستقرار السياسي، التطورات الأمنية والصراعات المتعددة، ازدياد البطالة، تراجع الأوضاع الاقتصادية، وفي حين أن بعض هذه الدول تتمتع حاليا ببعض الحريات السياسية والإعلامية، فإن دولا أخرى أصبحت تعاني من المزيد من القمع والديكتاتورية وأشد مما كانت عليه أيام الحكم السابق، كما برزت في دول أخرى أشكال أخرى من القمع الاجتماعي والديني والقبلي لم تكن قائمة سابقا.

وتتلاقى هذه الملاحظات العابرة والسريعة حول أوضاع هذه البلاد العربية مع نتائج الدراسات والإحصاءات الرسمية أو التي تجريها مراكز دراسات والتي تشير إلى أن الأمور لم تتجه نحو الأحسن في الدول العربية بعد الثورات الشعبية ولكنها زادت سوءا يوما بعد يوم والخوف أن تحمل الأيام المقبلة أخبارا أكثر سلبية.

لكن هل يعني ذلك أن العودة إلى الديكتاتورية هو الحل وأنه لا ينفع الشعوب العربية سوى الحكم الديكتاتوري والقمعي وألا مجال لقيام الأنظمة الديمقراطية والعادلة في الدول العربية؟

هذه النتيجة قد تكون ظالمة ومجحفة في حق الشعوب العربية، مع الإشارة إلى أن الثورات الشعبية العالمية احتاجت إلى وقت طويل كي تنجح في إقامة أنظمة جديدة كبديل عن الأنظمة السابقة وأن تجارب الدول الأخرى لم تتم بصورة سريعة ومراجعة الثورات الفرنسية والشيوعية والأمريكية والصينية وفي دول أخرى يكتشف الباحث أن هذه الدول احتاجت إلى عشرات السنين كي تعيد ترتيب أوضاعها وأن بعضها لايزال يعاني من الأزمات حتى اليوم.

وعلى ضوء ذلك فإن هناك عددا من الباحثين والمفكرين العرب والمسلمين، ومنهم العلامة اللبناني السيد محمد حسن الأمين والمفكر السوري والعربي الدكتور الطيب تيزيني وغيرهم، يعتقدون أن ما يجري من أزمات في الدول العربية وخصوصا تلك التي شهدت ثورات شعبية هو أمر طبيعي وأنه لا يمكن العودة إلى الوراء وأن سقوط الديكتاتوريات الظالمة هو نهائي ولن تكون هناك عودة إلى هذه الديكتاتوريات مرة أخرى رغم بروز أشكال قمع جديدة، لكن هذه المرحلة من اللاستقرار والفوضى والوضع الاقتصادي والأمني الصعب وبروز بعض أشكال التوحش والعنف، كل ذلك هو نتيجة الفشل المستمر منذ بروز الدول الحديثة والكيانات الجديدة في الوطن العربي بعد انتهاء مرحلة الاستعمار المباشر.

والمطلوب بحسب هؤلاء الباحثين والمفكرين المزيد من الجهد والعمل الفكري والسياسي والاجتماعي، إن من أجل إعادة بناء دولنا ومجتمعاتنا أو للحفاظ على الكيانات القائمة أو لمواجهة أشكال القمع الجديدة أو لتقديم أطروحات فكرية وسياسية جديدة من وحي ونتيجة لما جرى ويجري، والمهم أن تستمر الثورات وعملية التغيير حتى نصل إلى وضع أفضل، أما الحنين إلى الديكتاتورية والقمع فليس هو الحل بل هو سقوط وفشل جديد للتجارب العربية.

فمن نصدق هؤلاء الباحثين والمفكرين أو الوقائع المؤلمة في الدول العربية وأصوات الناس العاديين؟

  عربي 21