ارتفعت حرارة التحضيرات للانتخابات البلدية، مع الاقتراب شيئا فشيئا من موعدها، وتيقن الجميع انها باتت شبه حتمية.. ما لم يطرأ في ربع الساعة الاخير أمر مفاجئ يؤجلها.
وإذا كان معروفا ان هذا الاستحقاق هو نتاج تفاعل بين عوامل عائلية وسياسية، إلا انه من المؤكد ان المنسوب السياسي يرتفع بشكل ملحوظ في المدن الكبرى، حيث تتخذ الاصطفافات أشكالا أكثر وضوحا وجذرية.
ويمكن القول ان بيروت وصيدا وجونية وزحلة ستكون مسرحا لمعارك انتخابية، متفاوتة الحرارة والحدة، تبعا لطبيعة القوى المتنافسة وحجم كل منها، فيما تبدو طرابلس امام فرصة لتحقيق التوافق بين قواها الاساسية، في انتظار ما ستؤول اليه المفاوضات المستمرة.
وتشكل الانتخابات محكا للتفاهم بين «القوات اللبنانية» و «التيار الوطني الحر» في العديد من النقاط المسيحية الاساسية، بينما يحاول تحالف «أمل - حزب الله» تغليب خيار التوافق حيث أمكن في الجنوب والبقاع، مع تسجيل مشروع معركة رمزية في بعلبك.
ولعل معركة بيروت تكتسب نكهة خاصة، كونها تدور في عاصمة لبنان، وباعتبارها تنطوي على دلالات سياسية ورمزية بالغة الاهمية، انطلاقا من الابعاد الاجتماعية والقيمية للمواجهة الحاصلة بين لائحة السلطة وحلفائها من جهة، والاتجاهات المضادة لها، من دون ان يقلل الخلل في موازين القوى من شأن هذه المواجهة التي تتخذ طابعا مبدئيا قبل أي شيء آخر.
وايا يكن الامر، فان الانتخابات البلدية ستشكل فرصة امام اللبنانيين، إذا أحسنوا استثمارها، للانتقال من مرحلة «النق» الى ساحة «الفعل»، ولتحويل الامل بالتغيير الى دينامية حقيقية، تنطلق من البلديات وتمر لاحقا في مجلس النواب..
وبهذا المعنى، فان المسؤولية ليست ملقاة على عاتق المرشحين فقط وانما ايضا، وربما قبلا، على عاتق الناخبين الذين يُفترض بهم ان يحسنوا الاختيار وان يتحرروا من أي مؤثرات جانبية قد تؤدي الى حرف ورقة الاقتراع عن وجهتها الصحيحة.
قبيل قرابة اسبوعين من بدء الانتخابات البلدية، كيف تستعد المدن الاساسية لها؟
بيروت
تكاد تكون صورة المعركة الانتخابية في العاصمة قد اكتملت مع إعلان الرئيس سعد الحريري امس عن «لائحة البيارتة» التي ضمت ائتلافا بين أطراف في السلطة وقوى حزبية ومرجعيات دينية وعائلات، على قاعدة المناصفة الطائفية.
وبدا من تركيبة اللائحة ان القيمين عليها حاولوا تأمين أوسع تغطية ممكنة لها، من «التيار الوطني الحر» الى «فؤاد مخزومي» وما بينهما، فيما ظل «حزب الله» خارجها.
وعلى الضفة الاخرى، تواصل لائحة «بيروت مدينتي» المكتملة استعداداتها لخوض المبارزة الانتخابية، متسلحة بأسماء توحي بالثقة والشفافية، وكذلك الامر بالنسبة الى اللائحة الجزئية التي يقودها الوزير السابق شربل نحاس بعنوان «مواطنون ومواطنات في دولة».
وإذا كان توزع «المعارضة» الى لائحتين سيستنزف قدراتها ويبعثر قواها بعض الشيء، إلا ان ذلك لا ينفي ان هاتين اللائحتين ستفتحان الباب امام خيارات بديلة للبيارتة، وستضربان محاولة احتكار النطق باسم العاصمة او اختزاله بوكالة حصرية، وإن كان أفضل لو ان القوى الاعتراضية نجحت في توحيد جهودها واصواتها، لتحسين شروط المعركة في مواجهة اللائحة المضادة التي تملك العديد من عناصر القوة.
ودعا الحريري البيارتة إلى النزول إلى صناديق الاقتراع في الثامن من أيار لانتخاب لائحة البيارتة «لائحة توافق أهل بيروت لإعمار بيروت وإنمائها ووحدتها وكرامتها.. لائحة تكريس مناصفتها ووحدتها، كما أرادها الرئيس الشهيد رفيق الحريري».
لكن الإشكالية الكبرى أن برنامج «لائحة البيارتة» يفتقر إلى الواقعية والمصداقية، خصوصا ان بعض مكوناتها يتحمل اصلا المسؤولية عن الكثير من جوانب الفشل في عمل المجلس البلدي الحالي.

طرابلس
وفي طربلس، تنتظر القوى المعنية بالاستحقاق البلدي عودة الرئيس نجيب ميقاتي من رحلة خاصة الى الخارج لحسم امكانية التوافق على واحدة من الشخصيات الثلاث المستقلة التي طرحها ميقاتي لترؤس اللائحة المفترضة، (عمر الحلاب، عزام عويضة، وعبد الرحمن الثمين) ومن ثم تفويض الشخصية التي سيتم التفاهم حولها، بتأليف فريق العمل الذي تراه مناسبا، لتحرير البلدية من المؤثرات والضغوط السياسية قدر الامكان، وحتى لا يتذرع رئيس البلدية لاحقا بالتدخلات السياسية لتبرير أي تقصير او فشل، على ان تملك الاطراف السياسية حق «الفيتو» وليس الفرض، في معرض اختيار الاسماء من قبل رئيس اللائحة.
وينتظر ان يتضح مسار الامور منتصف الاسبوع المقبل، على ابعد تقدير، فإذا تعذر التوافق بين المكونات الاساسية في المدينة (ميقاتي، «تيار المستقبل»، محمد الصفدي، روبير فاضل، فيصل واحمد كرامي) تكون المعركة قد أصبحت حتمية، علما ان مناصري ميقاتي يحثونه على خوض المعركة لاعتقادهم بانه يملك الارجحية في المدينة حاليا، لكن ميقاتي لا يزال يرفض هذا الطرح، منطلقا من ان ممثلي الاقليات، أي المسيحيين والعلويين، سيدفعون ثمن أي مواجهة انتخابية.

صيدا
أما في صيدا، فقد احدث ما تردد عن نية رجل الاعمال الصيداوي محمد زيدان خوض معركة بلدية صيدا، إرباكا للجميع في عاصمة الجنوب، خصوصا لـ «تيار المستقبل».
والى حين ان يحسم زيدان أمره، يمكن القول أن عدد اللوائح التي ستتنافس على مجلس البلدية في عاصمة الجنوب وصل إلى أربع هي: اللائحة المدعومة من الرئيس فؤاد السنيورة والنائبة بهية الحريري و «الجماعة الاسلامية» وهي برئاسة محمد السعودي، واللائحة المدعومة من «التنظيم الشعبي الناصري» ومعه «اللقاء الوطني الديموقراطي»، وثالثة أعلن عن تشكيلها المسؤول السابق في «الجماعة الاسلامية» الدكتور علي الشيخ عمار، ورابعة تضم مرشحين مدعومين من مجموعة «مواطنون ومواطنات في دولة» التي يرعاها الوزير السابق شربل نحاس.

زحلة
وفي زحلة، استقر المشهد الزحلي على ثلاث لوائح، تحمل في طياتها وخلفياتها صراعا واضحا بين الاحزاب المسيحية الثلاثة، «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» و «الكتائب» التي اتحدت لاول مرة في تاريخها، وبين القوى الزحلية السياسية المتمثلة في «الكتلة الشعبية» والنائب نقولا فتوش واشقائه.
وأوكلت الاحزاب المسيحية الى الرئيس السابق للبلدية اسعد زغيب رئاسة لائحتها، في حين اعلن النائب فتوش عن ترشيح شقيقه موسى على رأس لائحة لمواجهة ما يسميه، خطر توطين اللاجئين السوريين والذي يحمله احد المرشحين لرئاسة البلدية، والمقصود به زغيب، وفق فتوش.
اما «الكتلة الشعبية» فتنطلق الى الحراك البلدي في اطار «المحافظة على القرار الزحلي، وابقائه في زحلة من دون ان يتنقل بين الرابية ومعراب وبكفيا، إضافة الى انماء المدينة»، بينما تواجه لائحة الاحزاب تجاذبا بين مطالب مكوناتها، الامر الذي دفع زغيب الى التهديد بالانسحاب، ما شكل ضغطا على الاحزاب من اجل التواضع في طروحاتها.
والتوافق لم يعد مطروحا في زحلة، وإن راج في الايام الماضية حديث عن قيام النائب السابق سليم عون بجهد من اجل ضم فتوش الى لائحة التوافق، علما ان الامر دونه المستحيل، لاسيما ان فتوش واشقاءه نفوا بشكل قاطع ان يكون احد قد فاتحهم في مسألة التوافق، مؤكدين الاستمرار في الحراك البلدي تحت شعار منع المؤامرة عن زحلة والحفاظ على هويتها والحؤول دون تغيير ديموغرافيتها.
وحدها «الكتلة الشعبية» التي ترأسها مريام سكاف، لم تكشف بعد عن اسم مرشحها لرئاسة البلدية بشكل رسمي، علما ان ميشال طعمة سكاف اعلن عن تقديم ترشيحه لرئاسة البلدية، واضعا هذا الترشيح بعهدة رئيسة «الكتلة الشعبية» مريام سكاف.

جونية
حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، كانت عاصمة كسروان، جونية، لا تزال تتأرجح بين احتمالي التوافق والمعركة، على وقع مشاورات مكثفة، بين كل الاطراف المعنية التي تصطدم بشياطين التفاصيل. وما يزيد الوضع صعوبة هو كثرة عدد اللاعبين وتوازن قواهم وتضارب مصالحهم، من ثنائي تفاهم معراب الى «حزب الكتائب» ومجموعة من الشخصيات النافذة (نعمت افرام، فريد هيكل الخازن، منصور البون،..) مرورا بالعوامل العائلية المؤثرة.
وعليه، فلا الاحزاب تملك العصب الكافي والمكتفي الذي يستطيع ان يحقق لها الفوز، ولا الشخصيات المستقلة والعائلات قادرة لوحدها على فرض إيقاعها، بل ان كل جهة بحاجة الى الاخرى، لكنها تريد ان تتحكم بحجم حضور الشركاء ومقاسهم.
ويسعى كل من «القوات اللبنانية» و «التيار الحر» الى تحقيق التوافق، خوفا من تشظي تفاهم معراب، لكن الحسابات الكسروانية المحلية تكاد تكون اقوى من أي اعتبار آخر.

بري
على صعيد آخر، وغداة مؤتمره الصحافي، أوضح الرئيس نبيه بري امام زواره امس ان ردود الفعل الاجمالية على تأجيله الجلسة التشريعية، لافساح المجال امام اللجان النيابية المشتركة لتعاود مناقشة قانون الانتخاب، كانت إيجابية، موضحا انه أوعز الى دوائر المجلس بالمباشرة في طبع كل المشاريع والاقتراحات لتسليمها الى اللجان النيابية المعنية التي ستلجأ الى غربلتها قدر الامكان، بغية حصر النقاش حتى يصبح أكثر فائدة.
وأكد انه إذا اقتضى الامر، سيترأس اللجان، وإلا فان نائب الرئيس فريد مكاري هو الذي سيتولى رئاسة اجتماعاتها.
وأكد عدم وجود مهلة محددة لعمل اللجان، لافتا الانتباه الى انها إذا أنجزت مهمتها بعد نهاية شهر أيار، يمكن ان تبادر الحكومة، في ظل مناخ التوافق المفترض حينها، الى فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، وإلا فان تشرين لناظره قريب.
وشدد على انه لم يضع الجلسة التشريعية خارج حساباته، مشيرا الى انه قد يضطر الى عقدها متى شعر بان هناك مشاريع ليست فقط ضرورية، بل لا بد منها.