أعدت السعودية نفسها أمس لـ«وثبة تاريخية» مع إقرار مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز «رؤية المملكة العربية السعودية 2030»، المقدمة من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، واعتبرها الملك سلمان تحقيقاً لهدف أراده منذ توليه مقاليد الحكم، بالسعي نحو «تنمية شاملة.. وتوظيف إمكانات بلادنا وطاقاتها والاستفادة من موقع بلادنا وما تتميز به من ثروات وميزات لتحقيق مستقبل أفضل للوطن وأبنائه«.

وقال الملك السعودي في كلمة خلال الجلسة: «لقد وضعت نصب عيني منذ أن تشرفت بتولي مقاليد الحكم السعي نحو التنمية الشاملة من منطلق ثوابتنا الشرعية وتوظيف إمكانات بلادنا وطاقاتها والاستفادة من موقع بلادنا وما تتميز به من ثروات وميزات لتحقيق مستقبل أفضل للوطن وأبنائه مع التمسك بعقيدتنا الصافية والمحافظة على أصالة مجتمعنا وثوابته. ومن هذا المنطلق، وجهنا مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برسم الرؤية الاقتصادية والتنموية للمملكة لتحقيق ما نأمله بأن تكون بلادنا، بعون من الله وتوفيقه، أنموذجاً للعالم على جميع المستويات«.

أضاف الملك سلمان: «وقد اطلعنا على رؤية المملكة العربية السعودية التي قدمها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ووافق عليها مجلس الوزراء، شاكرين للمجلس ما بذله من جهد بهذا الخصوص، آملين من أبنائنا وبناتنا المواطنين والمواطنات العمل معاً لتحقيق هذه الرؤية الطموحة، سائلين الله العون والتوفيق والسداد، وأن تكون رؤية خير وبركة تحقق التقدم والازدهار لوطننا الغالي«.

ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية الأمير محمد بن نايف سارع الى تهنئة خادم الحرمين بإقرار «الرؤية» «من أجل تحقيق الغايات التي نتطلع إليها جميعاً، وأن يكون هذا الوطن أنموذجاً فريداً بين دول العالم في مختلف المجالات«. كما قدم الأمير محمد بن نايف التهنئة للأمير محمد بن سلمان «على جهوده الحثيثة على مدى شهور عديدة، في سبيل إعداد هذه الرؤية التي وافق عليها مجلس الوزراء، والتهنئة موصولة لإخواني وأخواتي المواطنين والمواطنات، فنحن جميعاً شركاء في تنفيذ هذه الرؤية التي سنجني ثمارها بعون الله وتوفيقه خلال السنوات القادمة«. 

ودعا الأمير محمد بن نايف «إخواني وأخواتي المواطنين والمواطنات إلى المزيد من التكاتف والتعاون من أجل الوصول إلى درجات أعلى في سلم التقدم والازدهار، وأن يتحمل كل منا مسؤوليته تجاه المحافظة على أمن الوطن ومنجزاته ومكتسباته«.

وهنأ الأمير محمد بن سلمان خادم الحرمين على إقرار الرؤية، وقال: «إن قصص النجاح دائماً ما تبدأ برؤية، وأنجح الرؤى هي تلك التي تُبنى على مكامن القوة. ولقد حبانا الله سبحانه وطناً مباركاً، فيه الحرمان الشريفان، أطهر بقاع الأرض، وقبلة أكثر من مليار مسلم، وهذا هو عمقنا العربي والإسلامي وهو عامل نجاحنا الأول.. كما أن بلادنا تمتلك قدرات استثمارية ضخمة، وسنسعى إلى أن تكون محركاً لاقتصادنا ومورداً إضافياً لبلادنا وهذا هو عامل نجاحنا الثاني«.

وأضاف: «ولوطننا موقع جغرافي استراتيجي، فالمملكة العربية السعودية هي أهم بوابة للعالم بصفتها مركز ربط للقارات الثلاث، وتحيط بها أكثر المعابر المائية أهمية، وهذا هو عامل نجاحنا الثالث. وهذه العوامل الثلاثة هي مرتكزات رؤيتنا التي نستشرف آفاقها ونرسم ملامحها معاً«.

وتابع الأمير محمد بن سلمان: «في وطننا وفرةٌ من بدائل الطاقة المتجددة، وفيها ثروات سخية من الذهب والفوسفات واليورانيوم وغيرها. وأهم من هذا كله، ثروتنا الأولى التي لا تعادلها ثروة مهما بلغت: شعبٌ طموحٌ، معظمُه من الشباب، هو فخر بلادنا وضمانُ مستقبلها... وبعون الله ثم بعزيمة أبناء الوطن، سيفاجئ هذا الوطن العالمَ من جديد«.

وارتكز مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في «رؤية المملكة العربية السعودية 2030« على ثلاثة محاور أساسية: هي العمق العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية، وأهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي، لرسم ملامح مستقبل وطن أكثر ازدهاراً ضمن مقدمة دول العالم، يجد فيه المواطن كل ما يتمناه في التعليم والتأهيل وإتاحة الفرص للجميع، وكذلك الخدمات المتطورة في التوظيف والعلاج، والسكن والترفيه، حيث وضعت أهداف محددة، وآليات تنفيذ مدعومة بأجهزة رقابة وقياس وأنظمة شفافية ومحاسبة، تعتمد جميعها على مميزات جغرافية وحضارية واجتماعية وديموغرافية واقتصادية تمتلكها المملكة وقدراتها البشرية.

وتتضمن «الرؤية» العديد من النقاط المهمة أبرزها:

- طرح أقل من خمسة بالمئة من أسهم شركة «ارامكو» النفطية الوطنية العملاقة للاكتتاب العام في السوق المحلية. وقال الأمير محمد بن سلمان إن هذا الاكتتاب سيكون «أكبر اكتتاب في تاريخ الكرة الأرضية»، مقدراً قيمة الشركة بما بين 2000 و2500 مليار دولار.

- تحويل صندوق الاستثمارات العامة الى صندوق سيادي بأصول تقدر قيمتها بألفي مليار دولار، ليصبح بذلك «أضخم» الصناديق السيادية عالمياً.

- زيادة الإيرادات غير النفطية ستة أضعاف، من 43,5 مليار دولار سنوياً الى 267 ملياراً، ما سيحد من اعتماد الإيرادات الحكومية بشكل رئيسي على مداخيل النفط، ويقلل من تأثير تراجع أسعاره عالمياً على المالية العامة للبلاد.

- زيادة عدد الذين يؤدون سنوياً مناسك العمرة من ثمانية ملايين الى ثلاثين مليوناً بحلول سنة 2030، عن طريق استثمارات وحوافز. 

- تحسين تصنيف المملكة العربية السعودية وجعلها من ضمن أفضل 15 اقتصاداً في العالم، بدلاً من موقعها الراهن في المرتبة 19.

- رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي من 3,8 بالمئة حالياً الى 5,7 بالمئة.

- رفع حصة الصادرات غير النفطية من الناتج المحلي غير النفطي من 16 بالمئة حالياً الى خمسين بالمئة.

- زيادة مشاركة النساء في سوق العمل من 22 بالمئة الى 30، وخفض نسبة البطالة من 11,6 بالمئة الى سبعة بالمئة فقط.

- إطلاق صناعة عسكرية سعودية. 

- دعمُ الثقافة والترفيه باعتبار «أن الفرص الثقافية والترفيهية المتوافرة حالياً لا ترتقي إلى تطلعات المواطنين والمقيمين، ولا تتواءم مع الوضع الاقتصادي المزدهر الذي نعيشه«.

وتلحظ الرؤية في هذا المجال «دعم جهود المناطق والمحافظات والقطاعين غير الربحي والخاص في إقامة المهرجانات والفعاليات، وتفعيل دور الصناديق الحكومية في المساهمة في تأسيس وتطوير المراكز الترفيهية، ليتمكن المواطنون والمقيمون من استثمار ما لديهم من طاقات ومواهب. وتشجيع المستثمرين من الداخل والخارج، وعقد الشراكات مع شركات الترفيه العالمية، وتخصيص الأراضي المناسبة لإقامة المشروعات الثقافية والترفيهية من مكتبات ومتاحف وفنون وغيرها، ودعم الموهوبين من الكتّاب والمؤلفين والمخرجين، والعمل على دعم خيارات ثقافية وترفيهية متنوّعة تتناسب مع الأذواق والفئات كافّة، ولن يقتصر دور هذه المشروعات على الجانب الثقافي والترفيهي، بل ستلعب دوراً اقتصادياً مهمّاً من خلال توفير العديد من فرص العمل«.

(واس، أ ف ب)