البلاد على أبواب انتخابات بلدية واختيارية. وكافة الأجواء المعلنة توحي بإجراء هذا الاستحقاق في مواعيده، وكل التحضيرات تجري على قدم وساق في كافة المدن والقرى اللبنانية وخصوصا المدن الكبرى والعاصمة بيروت، من التقدم بطلبات الترشح إلى تشكيل اللوائح إلى الجولات الانتخابية للمرشحين في الأحياء والزواريب على الناس بهدف كسب الأصوات إلى الإعلان عن البرامج الإنتخابية إلى إقامة المهرجانات والاحتفالات والتحالفات إلى الوعود بالمن والسلوى والمشاريع الحيوية إلى حركة مفاتيح العائلات الانتخابية التي تنشط في مثل هذه الاستحقاقات.

عدا عن التصريحات التي يتحفنا بها بإستمرار قادة القوى السياسية والحزبية التي تصر على التأكيد بالتزامها بموعد هذا الاستحقاق، وأنه لا مجال لتأجيله مهما كلفت الظروف، وزير الداخلية نهاد المشنوق صرح غير مرة أن الوزارة أنجزت كافة التحضيرات المطلوبة لهذه الانتخابات، من لوائح الشطب وصناديق الاقتراع والأمكنة المحددة للاقلام حيث تجري العملية الانتخابية. 

هذا في الجانب المعلن، أما في الجانب الخفي وفي كواليس العمل السياسي والدهاليز الحزبية لا يبدو الوضع كذلك، إذ ان الأمور وفي هذه اللحظة السياسية الحرجة لمعظم الأطراف السياسية والحزبية تسير في الاتجاه المعاكس لهذا المشهد الذي يتم الترويج له والمزايدة فيه، وخصوصا ما يتعلق بالفريقين الأكثر تأثيرا في مسار الأحداث البلد وهما حزب الله وتيار المستقبل والتي يبدو واضحا ان الوقت ليس ملائما لكليهما لخوض مثل هذه الإنتخابات بسبب ارتباطهما بقوى إقليمية والانخراط بملفات خارجية تستحوذ على الجزء الأكبر من اهتمامهما وامكانياتهما. 

إلا أنه ومع ذلك لا يستطيع إي من الفريقين تحمل عبء التصريح علنا برغبته بتأجيل هذا الاستحقاق في ظل هذا الجو من التعطيل والفساد الذي يغرق فيه البلد، حيث روائح الفضائح تزكم الأنوف مع تراكم الأزمات والمشاكل والخلافات والتي بقيت الدولة عاجزة عن إيجاد الحل المناسب لأي منها.

  فحزب ألله منهمك في المعارك السورية والتي كلفته حسب آخر التقارير أكثر من ألف وخمسماية قتيل وما يقارب الستة آلاف جريح عدا الخسائر في المعدات العسكرية واللوجستية والمادية في حروب عبثية ليس لها أفق ودون ان يحقق اي من الاهداف التي انغمس في هذه الحرب لأجلها، فبقي عاجزا عن حفظ النظام وحفظ وحدة الأراضي السورية.

مما يتطلب منه التورط بشكل أكبر وأوسع لعناصره في هذه الحرب، وهذا يجعله في وضع غير مريح لخوض هذا الاستحقاق الانتخابي الذي يتطلب جيوش من الشباب قد لا يستطيع تأمينها لماكينته الانتخابية التي سترافق وتتابع سير العملية الانتخابية على كافة الأراضي اللبنانية،  تيار المستقبل فإن ما يرشح من معلومات عن وضعه الداخلي فإنه وخلال السنوات الأخيرة يعاني من أزمة مالية حادة تسببت بالتأخير بدفع رواتب موظفيه لما يقارب السنة، الأمر الذي يجعله في موقف العاجز عن تمويل حملاته الانتخابية في المناطق التي يقرر خوض الانتخابات فيها. 

فالطرفان حزب الله وتيار المستقبل لا يبدو أن اوضاعهما الداخلية واهتماماتهما قد تسمح لهما بمساحة واسعة من الارتياح والاستقرار لخوض مثل هذا الاستحقاق الذي يتطلب مخزونا من ثقة الناس المفقودة بهما، ومجهودا كبيرا لاستعادة هذه الثقة قد لا يكون متوفرا لدى اي من الفريقين، لكن مع ذلك فإن اي من الفريقين لا يستطيع الإفصاح عن رغبته بتأجيل الانتخابات خصوصا وأن المجتمع الدولي وبالذات الأوروبيين فإنهم لا يجدون أي مبرر للتأجيل. 

وعليه فإن الفريقين حزب الله وتيار المستقبل وباقي الكتل السياسية والحزبية الملحقة بهما قد تحاول الاستفادة من بعض المعطيات وتؤسس عليها للمطالبة بتأجيل هذا الاستحقاق لمدة سنتين. ومنها بعض التقارير الأمنية التي تشير إلى عجز الأجهزة عن حفظ الأمن في بعض المناطق التي تجري فيها الإنتخابات.

وكذلك التهديد بالتصعيد الذي لجأت إليه هيئة التنسيق النقابية إذا لم يتم إقرار سلسلة الرتب والرواتب وما يعني ذلك من مقاطعة للإنتخابات، فهذان عاملان مساعدان لطرفي الصراع في البلد ويمكن التأسيس عليهما للخروج من إحراج الاعلان عن التأجيل الذي بات أمرا في حكم الواقع، وهذا ولا شك هو فضيحة جديدة تضاف إلى سلسلة الفضائح التي تعم البلد..