صحيح ان الجو العام المخيم على معظم قرى ومدن الجنوب اللبناني كما يظهر للوهلة الاولى وللمشاهد عن بُعد، أنه جو من السكون ، حيث لا حرارة ولا نبض في أي حراك حقيقي ولا حتى لقاءات عائلية او سهرات ليلية، كما جرت عليه العادة في مثل هذه الايام التي تسبق الاستحقاقات، فيمكن وبكل موضوعية توصيف الحالة التي عليها الجنوب بانها اشبه ما تكون بالموت السريري 

  هذا الهدؤ الثقيل حتى الركود والظاهر بوضوح فيما يخص الانتخابات البلدية والاختيارية انما هو نتاج عاملين اساسيين :
  أولا :
اجتياح موجات من التشكيك باصل حصول الانتخابات في وقتها المحدد ويساهم حزب الله بشكل اساسي على نشر هذا التشكيك بين الناس لغايات انتخابية ,
وثانيا :
غياب منافس حقيقي " لمحدلة " الثنائي الشيعي، المحكوم لاتفاق مبرم بين قيادة الطرفين الاقوى على الساحة الجنوبية حركة امل وحزب الله، والمسقط من الاعلى على القواعد والاتباع الملزمين حتما بتطبيقه بدون اي اجتهادات ذاتية، وبدون مراعاة لخصوصيات كل قرية  وظروفها , هذا ما تبدو عليه الصورة، وهي صحيحة الى حد كبير، ولكن ومع المتابعة في مجريات احوال القرى وما بدأ يطفو الى السطح من اخبار عن مناطق متعددة مع اقتراب تاريخ الاستحقاق بعد ان صار بحكم الامر الواقع مما يعني اننا دخلنا في مرحلة الغوص بالتفاصيل حيث يركن الشيطان فان ثمة واقع مختلف تماما يمكن ان تتلمسه خلف تلك الصورة الظاهرة للعيان ( الاتفاق بين قيادتي حركة امل وحزب الله ) ينص على تقاسم البلديات والمخاتير وفق ما كانت عليه الحال في الانتخابات الاخيرة.2010 ان من حيث الرئاسة او توزيع نسب الاعضاء في كل بلدية، وكذلك توزيع الحصص الاختيارية في القرى والمدن بدون اي زيادة او نقصان على ان يحتفظ كل من الطرفين بوظيفة تسمية الاشخاص انفسهم او تغييرها بحسب ما يراه التنظيم دون ان يكون للطرف الاخر حق الاعتراض، الا ان اتفاق القيادات على العناوين العامة لا يعني بالضرورة سريانه على القواعد بدون اشكاليات، بالخصوص اذا ما اخذنا بعين الاعتبار عدة نقاط تفرض نفسها وتتحكم هي بمجريات الامور على مستوى الدوائر التحتية الصغيرة.

   فاذا كان معلوما ان اتفاق الفريقين لم يستطع الى اللحظة بانهاء تاريخ من الحساسية المفرطة على مستوى قواعد الطرفين ( يكفي متابعة مواقع التواصل الاجتماعي للتأكد ) فان شعورا عميقا بالغبن والهيمنة والسيطرة والازاحة لا يزال يعشعش في وجدان ابناء حركة امل، ولا يزال ابن الحركة يعتبر ان اي موقع او مركز يأخذه ابن حزب الله انما هو مغتصب من حصته ويجب استرداده في اقرب فرصة متاحة .

  تكاد قواعد حركة امل تصرّح بان ما كان يصح في اتفاق 2010 فانه حتما لا يصلح في 2016 فحزب الله الان المثقل باعباء الحرب السورية، والحصار العربي، والضائقة المالية، وتغلغ التعب والتساؤلات الكبيرة في داخل بيئته، والمشغول بتشييع شهدائه، والمعطّل للحياة السياسية في البلد وغيرها من الاخفاقات جعلت من الوجدان الشيعي العام يميل من جديد بإتجاه حركة امل اكثر من اي وقت , منذ ما بعد العام 2000 وصعود نجم الحزب، فاذا كان اتفاق عام 2010 حصل في لحظة ذروة صعود الحزب وفي زمن الانتصارات، فان انتخابات هذا العام سوف تجري في زمن بداية الانحدار للحزب وعليه فان ما يجري على ارض الواقع وعلى عكس ما هو ظاهر للعيان يمكن اعتباره كحرب باردة تخوضها شُعَب حركة امل في القرى والمدن الجنوبية من اجل استرداد ما خسرته في الاعوام السابقة، وهذا قد بفسر ما نسمعه من تسريبات عن اخبار فشل الاجتماعات التنسيقية بين الطرفين في العديد من القرى كزوطر الشرقية وكفررمان وكفرصير والصرفند والغسانية وغيرها، ولا استبعد في ظل هذا الواقع المخفي بان يترجم هذا الخلاف داخل القرى في الايام القادمة بظهور لوائح ثالثة تحت مسميات عائلية او مستقلة هي بالحقيقة انعكاس لتلك الحرب الباردة بين امل والحزب ليس الا، فهل تستعيد حركة امل مواقها المسلوبة ؟ وحجمها الطبيعي الذي يعكس الحشود الكبيرة في ذكرى تغييب الامام الصدر الاخيرة ؟؟

هذا ما سوف تكشفه الايام القادمة وانا لمنتظرون .