أصبح من الممكن الحديث في لبنان عن تيار التعطيل، تيار يتزعمه حزب الله بامتياز، ويعضده التيار الوطني الحر، وبامتياز أيضا، ويعتبر الوزير فرنجية، المتغيّب عن حضور جلسات انتخاب رئيس جديد،حتى اللحظة ،في عداد هذا التيار، ولحق بهم مؤخرا فريق القوات اللبنانية، بشكل أو بآخر، وذلك رغم المداومة على حضور الجلسات، ولكن في ظل ترشيح الجنرال عون، من قبل الدكتور جعجع، وهو أبرز أقطاب التعطيل، فإنّ القوات تعتبر في عداد المعطلين.

  وإذ تقارب مدة التعطيل المتمادي لانتخاب رئيس للجمهورية عامها الثاني كاملاً، فهناك من يخدم التعطيل أهدافه ومراميه، لذا فهو مستمر به بثبات وحيوية، مع تفاوت عند أصحابه، فحزب الله يرتع في هذه النعمة، إذ لا موجب عنده لانتخاب رئيس جديد، فالفراغ في الوقت الراهن ،مع استمرار الاحتدام في الساحة السورية، أفضل بكثير، وأريح بكثير من وجود رئيس جديد، وحكومة جديدة، وتوجهات سياسية جديدة لا بدّ أن ترافق عهد الرئيس العتيد، ومن هذا المنظور، فإنّ التعطيل نعمة أسبغها الله تعالى على عباده، وخاصة أنّ الدستور بتاويلاته المختلفة يُجيز ذلك، هذا من جهة الحزب، أمّا من جهة التيار الوطني، فهو يرتع أيضا في نعم التعطيل، فهو يُؤمّن له، ولأمدٍ غير منظور، حجز المنصب الرئاسي عن غيره، فطالما أنّه يتعذّر حتى الآن انتخاب زعيمه ميشال عون، فلا بأس من تعطيل وصول رئيس آخر، وهذه وحدها تعتبر نعمة وسط محنة عدم وصول عون للرئاسة، أمّا من جهة الوزير سليمان فرنجية، فإنّ استمرار تغيبه عن جلسات الانتخاب، يبقيه في دائرة التعطيل، مع أنّه أبرز المتضررين منه، وهذا يدعو للاستغراب والاستهجان.

  أمّا الميثاقية ،فبدل أن تكون هي النعمة التي يمكن أن ترتع فيها المكونات الطائفية والسياسية لهذا البلد، إذ بها تتحول إلى نقمة أو لعنة في تاريخ لبنان الحديث، أضيفت إلى نقمة الطائفية، وهي ترفع عادة ، لأسباب سياسية، وبغطاء طائفي أو مذهبي، هكذا استعملت عندما انسحب الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس السنيورة، لمنع إقرار بنود اتفاقية لبنان مع المحكمة الخاصة بمحاكمة قتلة الرئيس الراحل رفيق الحريري.

وهذا ما انعكس شللاً في عمل الحكومة ومؤسسات الدولة، وتعطيل عمل مجلس النواب، واليوم تعود لعبة الميثاقية من جديد،فيرفعها أبرز أقطاب التعطيل من المسيحيين، لتحجز عملية إقرار مشاريع تحمل صفة الضرورة في غياب رئيس الجمهورية، وهي بهذا المعنى، إذا أفلحت في منع التشريع، فهي نقمة، ولعنة، وبؤس أصاب هذا البلد فوق بؤسه المعهود، وبدل أن ينصرف حُماة الميثاقية، إلى صون البلد، وصون ميثاقيته، في معالجة الداء الأصلي، الذي هو التعطيل، ينغمسون في حمأة التفكّك والانهيار الذي يحيط بالبلاد،من الفراغ الرئاسي، إلى الفساد المستشري، إلى حجب التشريع (والذي هو ضرورة لا بد منها)، فيسهمون جميعا في لعبة جهنمية لن يخرج البلد مُعافى، والأغرب والمستهجن هنا أيضا، أنّ هذه الزمرة السياسية، ما زالت "تُبدع" في انتهاكها للدستور، وتمعن بلا تردّد في فضائح الفساد، ومع ذلك فهي عصيّة ٌ على التغيير، من هنا معضلة إقرار قانون جديد للانتخابات، وكل ذلك بهدف الحيلولة دون صعود قوى تغييرية ،قادرة، على النهوض بالبلد إلى آفاق أرحب، ومصير وطني راسخ وآمن.