كل مرة كان يصار إلى اتخاذ قرار بفرض عقوبات دولية تصدرعن مجلس الامن بحق ايران، كانت ردة الفعل المعتمدة عند المسؤولين الايرانيين إن من رأس هرم السلطة وحتى الى أصغر مسؤول بالحكومة ليخبرنا أن هذه القرارات لا تساوي أكثر من الحبر الذي تكتب به، وإن الجمهورية الاسلامية غير معنية ولا تتأثر البتة بهذه القرارات ، حتى أن الامر وصل بالرئيس أحمدي نجاد ليتحفنا بنظرية الاكتفاء الذاتي والاعتماد على القدرات والطاقات المحلية وأن الحصار الاقتصادي كان لخير ايران والشعب الايراني !

إلا أن كل هذه " العنجهية " الفارغة، والبروبوغاندا الايرانية التي لم تغني عن قطعة غيار لطيارة ، ولم تسمن من جوع الشعب الايراني لحصة غذائية، فشهدنا كيف تهافتت كل هذه الادعاءات وظهر حجم الازمة الحقيقية التي تعاني منها الجمهورية الاسلامية لحظة التوقيع على الاتفاق النووي مع أميركا والدول الغربية، إن من خلال الاحتفالات العفوية التي أبداها الشعب الايراني الذي ملأ الشوارع مهللا مسرورا سعيدا مبتهجا، أو من خلال جولة الرئيس روحاني على بلاد الكفر والامبريالية للتوقيع على عشرات الاتفاقات التجارية وبمليارات الدولارات من أجل سد النقص الهائل والمخفي خلف تلك الشعارات الفارغة والرنانة  وبنفس هذه المنهجية يقارب حزب الله أيضا مفاعيل القرار الاميركي القديم الجديد المتعلق بفرض عقوبات اقتصادية على أسماء أشخاص وشركات بلغت تعدادها الـ 99 في مقدمتهم إسم الامين العام السيد حسن نصرالله وهي مفتوحة لتضم أعدادا جديدة ذات صلة .

وان كنا هنا لا نريد تناول الموضوع من خلفية بحت اقتصادية عبر الحديث عن حجم تأثير القرار الامركي على الحركة المالية للحزب والتي وصلت الى حد امتناع المصارف اللبنانية عن توطين رواتب نواب كتلة الوفاء للمقاومة عندها، أو من خلال تأكيد جمعية المصارف اللبنانية بالأمس على التزامها التام بالإملاءات الأميركية بعد تصديق الكونغرس على المراسم التطبيقية للقانون الاميركي المتعلق بفرض عقوبات مالية على كل من يتعامل مع حزب الله ليس في لبنان فقط بل في كل أنحاء العالم، وإنما نود لحاظ الموضوع من زاوية سياسية.

  وهنا يحلو التساؤل حول هذا التزامن بين الانفراج الايراني والانفتاح الذي أشرنا اليه، مع هذا التضييق على حزب الله وصحة ما قيل عن اتفاقات تحت الطاولة لم يكشف النقاب عنها حين توقيع الاتفاق النووي، وما قد تناقلته يومها بعض التسريبات لمصادر مطلعة على مجريات التفاوض آنئذ عن وجود تعهدات ايرانية تتعلق أولا بحلّ الحرس الثوري وضمه الى القوات العسكرية النظامية، وثانيا العمل على تجفيف المنابع المالية لحزب الله، كمرحلة أولى في سياق العمل بالمرحلة القادمة على تحجيم دور الحزب وإدخاله عنوة من جديد داخل الحدود اللبنانية.

  يساعد على هذه القراءة وتبني التصديق بوجود اتفاق سري بين الامركي والايراني (شق الدولة)، من خلال ردة الفعل السلبية والامتعاض الذي عبر عنه كبار قادة الحرس بعيد التوقيع وكذلك الموقف الباهت والمشوش لحزب الله عندما رحب بالاتفاق النووي (بدون نفس)  طبعا فإننا لا ندعي كما يحلو عند خصوم الحزب بتصويرأان ايران قد تخلت عن حزب الله الذي يعتبر كواحد من أهم انجازاتها وفخر صناعتها، إلا أن هذا لا يعني بأن ايران قد تمانع من تخفض مستوى "التخصيب" عند الحزب تماما كما اتفق بالموضوع النووي، وعليه فكما يصح الكلام هنا عن أي من مفاعل (نطنز) أو (اراك) أو (جيهان) وغيرهم , يمكن كذلك الحديث عن " مفاعل " (حزب الله) والتخفيض أيضا من حجم تخصيبه، وعليه فكما قدمت ايران تنازلا هناك فمن من غير المستغرب ان تتنازل هنا من أجل الحصول على حاجيات المجتمع الايراني والشعب الايراني ليأتي الكلام عن حزب الله بنفس الاطار أيضا.