قبل ساعات من قمة باراك أوباما ودول مجلس التعاون الخليجي، تعمّد البيت الأبيض الإعلان ان الإتصال الهاتفي بين أوباما وفلاديمير بوتين يوم الاثنين "كان حواراً حاداً"، في حين كان رياض حجاب يعلن انهيار المفاوضات في جنيف "لأنه لا وجود لهدنة على الأرض، فإيران تحشد آلاف المقاتلين رغم موافقة النظام على الهدنة... ونحن ندعو مقاتلي المعارضة الى عدم التوقف عن قتال الأسد"!
ماذا كان في وسع أوباما ان يقول لدول الخليج، التي تطالبه منذ خمسة أعوام بالعمل لوقف المذبحة ضد الشعب السوري التي ساهمت في ظهور "داعش"، والتي تشهد إنخراطاً عسكرياً ايرانياً وروسياً متزايداً في فصولها التي دمرت سوريا بشراً وحجراً... لا شيء!
واشنطن أعلنت أمس انها تتفهم قرار موقف المعارضة السورية لكنها دعتها الى الاستمرار في التفاوض الذي ثبت، منذ مؤتمر جنيف الأول، انه ليس مضيعة للوقت فحسب، بل خديعة تتكرر دائماً للتغطية على مضي النظام وحلفائه في الحل العسكري!
إنهيار المفاوضات مرة جديدة ليس مفاجئاً، فرغم الحديث عن تفاهم أميركي - روسي على وقف للنار يوفّر بيئة مساعدة للتفاوض، انهارت المفاوضات منذ بدايتها بعدما قدم دو ميستورا إقتراحاً مفخخاً روسياً هدفه نسف أسس عملية الانتقال السياسي، فقد عرض على وفد المعارضة فكرة بقاء الاسد في منصبه بصلاحيات محدودة مع تعيين ثلاثة نواب له تختارهم المعارضة التي رفضت الفكرة من أساسها.
ليس كثيراً القول ان هناك ما يشبه السباق بين واشنطن وموسكو على ترويج الخديعة كي لا نقول الأكاذيب، وخصوصاً عندما يعلن الجانبان بعد مكالمة أوباما وبوتين انهما عازمان على المساعدة في تعزيز وقف إطلاق النار، في وقت كان النظام مدعوماً بالغارت الجوية الروسية يصعّد عملياته في حلب وأدلب.
وزيادة في التعمية، يكشف أوباما انه أبلغ بوتين ان سوريا تتفكك بسرعة أكبر وان من غير الممكن التحرك الى الأمام ما لم تتفق آراء روسيا والولايات المتحدة، وان هذا لن يخدم مصالح أي منهما، هذا في حين تتراكم تقارير تتحدث عن ان واشنطن بدأت ترصد منذ إعلان موسكو دعمها فكرة الحل الفيديرالي في سوريا رغبة روسية في تقسيم سوريا على غرار جورجيا وأوكرانيا.
ما يجري عسكرياً منذ الاعلان عن الهدنة، والذهاب الى جنيف مرة جديدة، هو تصعيد عنيف من النظام وحلفائه من المنطقة الممتدة من دمشق الى الشمال الغربي مروراً بأجزاء من محافظات حمص وحلب وإدلب، بما يوحي عملياً انها عملية ترسيم للحدود الفيديرالية بالنار الروسية والإيرانية التي لن تعترض عليها واشنطن، اولاً لأنها تخدم التقسيم الذي طالما كان هدفاً مشتركاً مع الصهاينة، وثانياً لأن التقسيم يأتي بغطاء روسي ستدفع موسكو ثمنه غالياً!