لم يكن حدث إقفال السفارة الاسرائيلية في طهران ورفع العلم الفلسطيني مكان العلم الاسرائيلي فقط هو الحدث الأبرز الذي تزامن مع بدايات الساعات الاولى لانبلاج فجر إنتصار الثورة الايرانية عام 79 وسقوط الشاه رضا بهلوي، بل كان رفع شعار " الوحدة الاسلامية" واعتباره واحدا من أهم أهداف الثورة حينها لا يقل قيمة وأهمية، بما شكل هو الآخر من صدمة إيجابية اجتاحت وجدان المسلمين على امتداد المعمورة باتجاهاتها الأربعة ليتحول هو الآخر دافعا إضافيا وجواز مرور لقائد الثورة الامام الخمين، الى قلوب وعقول المسلمين أينما كانوا وبكل تشعباتهم.

أعتقد جازماً بأن الامام الخميني الراحل كان جاداً الى أبعد الحدود في حمل لواء وحدة البلاد الاسلامية، إن لم يكن على مستوى الأنظمة والحكومات فعلى أقل تقدير سعى جاهداً لبناء "وحدة إسلامية " على مستوى الشعوب الاسلامية.

ففي مرحلة ايران الخميني لم تكد تمر أيام الا وكان للجمهورية الاسلامية نشاط مباشر لتدعيم هذا الطرح، من أسبوع الوحدة الاسلامية، إلى محاولة لملمة الأمة تحت عناوين سياسية جامعة، كما هو الحال في استنهاض القضية الفلسطينية بوصفها قضية جامعة، واعتبار هذه القضية مركز استقطاب لكل الشعوب الاسلامية بما لها من حضور عارم على امتداد الشارع الاسلامي .

السائد في تلك الأيام كان الحديث المستمر عن " الأمة " الإسلامية، وعن يوم القدس العالمي بالإضافة الى نشاط مميز لمجمع توحيد المذاهب الإسلامية، وما إلى هنالك من محاولات جادة عمل الإمام الخميني على ترسيخها خدمة لمشروعه الوحدوي. 

بكل أسف فإن المشروع التوحيدي للامام الخميني، اصطدم بالكثير الكثير من العقبات ليس أقلها الحرب العراقية الايرانية التي استمرت لثماني سنوات، بالاضافة طبعا لتصدي الكثير من الانظمة والحكومات والعربية التي اعتبرت أن مشروع الوحدة يشكل خطراً على عروشها وأنظمتها، إلا أن هذا لا يعني بأن ايران قد اخفقت بتقديم مشروع الوحدة الاسلامية وبلورته بحسب المعطيات الفكرية والثقافية وحتى السياسية الموضوعية، بل اعتمدت بشكل كلي على وهج المشروع بوصفه مطلباً تاريخياً عند جمهور المسلمين، وبوصفها هي قائدة هذا المشروع بدون أي منازع !

فإن إطلاق تسمية " قائد الامة الاسلامية " على الامام الخميني والذي كان معتمدا في تلك الحقبة، كان كفيلا وحده أن يساهم بخلق الكثير من الحواجز والمخاوف عن الآخرين، وهذه الحالة استمرت حتى بعد وفاة الامام في 3 حزيران 1989 وجلوس السيد علي الخامنئي على عرش ايران بوصفه مرشدا للثورة وولي الفقيه، وكذلك بوصفه " ولي أمر المسلمين "  إن فشل ايران في مشروع قيادة " الامة الاسلامية " والذي كان من المفروض أن يخلق حافزا عند المعنيين في تلك الدولة بإعادة قراءة منهجية لهذا الفشل، وبالتالي العمل على تحسين الظروف والتغيير بآليات الطرح ودراسة أدق للظروف الموضوعية والتخفيف من الاتكال فقط على الشعارات الرنانة، هذا عبر إيجاد منظومة مصالح مشتركة تجمع الدول الاسلامية عليها ومن أجلها كما في أماكن أخرى من العالم (الاتحاد الاوروبي مثلا ). 

نرى أن الجمهورية الإسلامية في ايران راحت إلى أسلوب لا يخدم البتة ما يمكن أن تكون تصبو إليه، عبر أساليب هي بالحقيقة متعارضة تماما مع الأهداف المعلنة كتصدير الثورة والعمل على قلب الأنظمة (الكويت - البحرين - السعودية - لبنان - ...) وإنشاء مجموعات مسلحة تابعة لها داخل الدول وما إلى ذلك. 

والأخطر بالموضوع أن تحولاً كبيراً تلمسناه في مرحلة السيد الخامنئي لم يكن موجوداً أيام الامام الخميني وهو الانكفاء من المشروع الاسلامي العام إلى المشروع الشيعي المذهبي، فحلّ مثلاً " مجمع أهل البيت " مكان " المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب " ، وبدأ العمل على إنشاء ما اصطلح على تسميته بـ "الهلال الشيعي" مكان "الامة الاسلامية" وصار الطريق إلى القدس يمر بمعظم الدول العربية ومن غير المعلوم إن كان يوصل حقيقة إلى القدس أم لا .

إن التحول الكبير الذي حصل في ايران، وهذا التباين بين مرحلة الامام الخميني "الاسلامية" ومرحلة المرشد علي الخامنئي "الشيعية" مع بقاء ثابت وحيد بين المرحلتين وهو قيادة ايران لكلا المشروعين هو في جوهر الأمر ما أوصل الأمور الى ما وصلت إليه في القمة 13 لمنظمة التعاون الاسلامي التي انعقدت في اسطنبول منذ أيام بحضور أكثر من 30 رئيس دولة وحكومة، مما اضطر الرئيس الايراني حسن روحاني للانسحاب من القاعة عند تلاوة البيان الختامي المتضمن إدانة واضحة لايران بسبب "تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودول أخرى أعضاء، منها البحرين واليمن وسوريا والصومال، وباستمرار دعمها للإرهاب" وكذلك تضمن البيان الختامي في بنده 108 تنديداً شديد اللهجة بالأعمال الإرهابية التي يقوم بها حزب الله في تلك الدول .

وبخروج الرئيس الايراني بدت ايران كأنها الدولة الاسلامية الوحيدة خارج إجماع الدول الاسلامية بعد أن كانت صاحبة مشروع "الوحدة الاسلامية" .