أصدرت منظمة التعاون الإسلامي التي اجتمعت مؤخرا في اسطنبول توصيات عامة من جهة، ومُحددة من جهة أخرى، تطال معظم مشاكل العالم الإسلامي في الحقبة الحالية.

ومن يقرأ ما توصّلت إليه هذه القمة يداخله شعور بالارتياح ،فقد يتمكن ،أو ربما، يتمكن المسلمون خلال السنوات القادمة من معالجة الانقسامات والمنازعات السائدة في العالم الإسلامي المترامي الأطراف، والمتنوع عرقيا ودينيا وثقافيا ومذهبياً، وما يتفرّع من بذور للفرقة والتشتت.

إلاّ أنّ إدراج حزب الله على قائمة الإرهاب، وامتعاض الجمهورية الإسلامية الإيرانية طبعاً، يفتح على مناقشة الملف الساخن ،والذي تعاني منه الأمة الإسلامية منذ مقتل الخليفة عثمان بن عفان ،وأيام صفين والنهروان ،واغتيال علي بن أبي طالب، وحكم معاوية بن أبي سفيان.

ولا بأس بالعودة إلى التاريخ، فعبرُهُ قد تكون صالحة لكل زمان ومكان، فعندما تناهت الخلافة إلى معاوية، كانت الأمة منقسمة إلى جماعتين أساسيّتين مكونتين للأمة، وقد نجح معاوية في تدعيم الإمبراطورية الإسلامية، بعنصرها العربي الراجح، وفشل في صهر جناحي الأمة صهراًأعمق.

فقد غرق في خصوصيته الشامية، وأمعن في إرسال ولاةٍ مستبدين إلى العراق، لإخماد الثورات المتتالية، فترسّخت سياسة القطع والقوة، وليس سياسة الجمع والتوحيد، أي توحيد القلوب، وبدلا من إزالة آثار الفتن، انكبّ على الامعان في زرعها من خلال دعاية تحقيرية لعلي، وهذا ما راكم الأحقاد والفتن التي أزالت حكم الأمويين بالعنف ذاته، وأسست لدولة بني العباس، الذين رفعوا راية التشيع، وعمدوا بعد نجاحهم إلى قلبها لصالحهم الخاص، فاستمرّت محنة آل البيت (أبناء محمد وعلي معاً)، وإذ فقد هؤلاء فرصتهم في تاريخ الإسلام الفعلي، انكفأوا إلى العمل التعويضي الجبار، الذي تبلور في التشيع كعقيدة، وهو تنويعة من تنويعات الإسلام العديدة.

وهذا كله نتيجة بعيدة إلى حد ما للفتنة ،والتي ما زالت حتى اليوم أحد أهم مُولّدات التاريخ الإسلامي الحديث، فحملات الاضطهاد للشيعة العرب طوال الحقبة العثمانية ما زالت ماثلة للاذهان، والتدخل الصفوي الإيراني ،في إيران أولا والعراق تاليا ماثلا للاذهان ، وحملات محمد بن عبد الوهاب العسكرية،والتي وصلت إلى العتبات المقدسة الشيعية في العراق ماثلة للاذهان حتى اليوم، والفتن لا تتغذّى إلاّ من نزعات "إسلامية" راديكالية وعُنفية.

هكذا كان الدخول الإيراني إلى العالم العربي بعد نجاح الثورة الإسلامية ،عنيفا واستفزازيا، وحاملا بذور الفتن، كذلك ما زالت الحركات الأصولية التي تناسلت من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، إلى جماعات التكفير والهجرة على يد قطب وشكري مصطفى، وبن لادن والظواهري، وأبو بكر البغدادي، وبوكو حرام وشبيهاتها، توزّع الفتن الدامية والعنفية في ارجاء العالم الإسلامي. وكما أنّ العرج من ساقين، لا يعني سيراً مستقيما، كذلك، فإنّ جماعتين أو أكثر، تمتهنان العنف والتدمير، وتعتنقان أفكار القرون الوسطى وعقائدها، لا يمكن لهما بناء أمّة موحدة القلب والمصير.

وللأسف الشديد، فإنّ الفتنة ما زالت صاحية، منذ مقتل الخليفة عثمان، لم تغفو من يومها هذا، ولم نتمكن من لعن من يوقظها، طالما ليست بحاجة لذلك، فهي ،للأسف، صاحية وجاهزة.