المنظومة الصاروخية التي تمكنت المصانع الإيرانية من إنتاجها خلال العقود الأخيرة وعلى مختلف أنواعها البعيدة والمتوسطة والقصيرة المدى والتي فرضت على أكثر من نصف الشعب الإيراني ان يعيش تحت خط الفقر لم تتح لإيران فرصة تحقيق مشروعها التوسعي، إذ ان هناك محاذير كثيرة تحول دون استخدام هذه الصواريخ وتبقيها داخل المستودعات.

وبالتالي لم تستطع طهران من فرض هيمنتها على العواصم الأربع / صنعاء وبغداد ودمشق وبيروت / التي ادعت يوما أنها تتحكم بسياستها وأنها تسيطر عليها، وكذلك بقيت عاجزة عن تحقيق حلمها  بجعل البحر المتوسط يشكل حدودها الغربية كما عبرت عن ذلك في أكثر من مناسبة.

 فأطماع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتصدير ثورتها الى خارج حدودها وخصوصا إلى دول الجوار العربي توقفت أمام التحرك العربي والإسلامي الذي قادته المملكة العربية السعودية على المستويين السياسي والعسكري، إذ ان الرياض نجحت في القيام بجملة خطوات سياسية وعسكرية حالت دون تمكين إيران من فرض هيمنتها على المنطقة، ذلك ان محاولات إيران خوض المواجهة بالتركيز على الجانب العسكري والتهديد بالقوة الصاروخية كما كانت أساليب السوفيات أثناء الحرب الباردة لن يفضي إلى نتيجة أفضل حالا مما وصلت إليه المنظومة الاشتراكية حيث انهارت تلك الأنظمة وانهار الاتحاد السوفياتي أمام حلف شمال الأطلسي.

لقد سعت المملكة العربية السعودية ولا تزال تسعى مع دول مجلس التعاون الخليجي إلى كسر الطوق العسكري والسياسي الذي حاولت إيران بناءه في السنوات الأخيرة مستفيدة من الحروب الأهلية التي خلفها الربيع العربي وقضت على ما تبقى من أسس للنظام العربي، فقد نجحت الرياض في بناء تحالف إسلامي وعربي عسكري كبير بعد انضمامها إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لمحاربة داعش، وأطلقت عاصفة الحزم لاستعادة زمام المبادرة في اليمن، وحققت خطوات متقدمة في مساعدة مصر من أجل استعادة دورها وثقلها في المنطقة العربية، والأهم من كل ذلك سعيها الدؤوب اليوم لأقامة نوع من الشراكة الثلاثية بينها وبين مصر وتركيا. 

وليس خافيا أن محادثات الملك سلمان بن عبدالعزيز في القاهرة عشية قمة العمل الإسلامي التي انعقدت في تركيا لعبت دورا في رسم ملامح طريق قد ينتهي بترطيب العلاقات بين مصر وتركيا رغم الخلافات بين البلدين حول عدد من الملفات، وهذا بالطبع لا يسر طهران التي تحرص على علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع أنقرة.

 وبعد قمة الدول الإسلامية في اسطنبول تشعر إيران بالضيق من نتائج هذه القمة، حيث تمكن خصومها من النجاح في تسجيل المزيد من النقاط لضرب مشروعها التوسعي في المنطقة، ثم ان هناك المحادثات اليمنية المقررة في الكويت والتي تؤشر إلى احتمال التوصل إلى تفاهم بين الشرعية اليمنية والحوثيين. 

وهذا يشير بوضوح إلى فشل المشروع الإيراني في اليمن وسقوطه. الأمر الذي طهران إلى التشدد والتصلب بكافة الوسائل للدفاع عن حضورها ودورها في كل من بغداد ودمشق، إلا ان الحضور الإيراني في العراق يواجه تحديات كبرى لم تتوقف منذ إزاحة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي عن السلطة، فهي لم تعد مطلقة اليدين مع وجود  حيدر العبادي رئيسا للوزراء والذي يحاول التخفيف من إعطاء دور لأيران بمحاولتها استلحاق بلاد الرافدين بالحرس الثوري الإيراني وبالقيادات الإيرانية في قم. 

وفي سوريا فإن حال إيران ليست افضل من حالها في العراق، فلم تفلح قواتها العسكرية مع العديد من ميليشياتها في وقف انهيارات النظام السوري خصوصا بعدما استنجدت هي ودمشق بروسيا  التي تدخلت وأعادت توازن القوى لمصلحة النظام. وهذا جعل من مصير الأسد ورقة ثمينة بيد موسكو تقايض بها عندما يحين أوانها، وبرحيل الأسد فإن إيران ستفقد حليفا وازنا وجسرا للتواصل مع حلفائها في لبنان. 

من الواضح أن إيران تخسر أوراق قوتها في المنطقة الورقة تلو الأخرى خصوصا بعد تغييبها عن التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب بقيادة السعودية، إلى أن جاءت قمة إسطنبول التي دانت التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة واستمرار دعمها للإرهاب حيث خسرت معركة في منطقة يفترض ان تشكل لها مظلة دعم في سعيها إلى إستعادة دورها الطبيعي في المجتمع الدولي بعد الإتفاق النووي مع الدول الغربية.