ليست أزمة انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، هي من حمل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند على زيارة بيروت لمدة 48 ساعة في 16 و17 الجاري، ولا إنعاشا للدور الفرنسي الذي انكفأ حضوره في لبنان منذ عقود، بالتوازي مع انكفاء الثقافة الفرنسية التي يستمر حضورها الخجول إزاء اكتساح الثقافة الإنكلوسكسونية ليس للبنان فحسب، بل لدول العالم كلها.

الرئيس الفرنسي قدم إلى بيروت في زيارة تحكمهـا التحديات المطروحة اليوم على الدولة الفرنسية والاتحاد الأوروبي عموما، أي قضية النازحين أو اللاجئين السوريين، فالهمّ الأوروبي اليوم، والفرنسي تحديدا، هو الحدّ من تدفق النازحين السوريين نحو أوروبا، ومحاولة توفير شروط بقائهم في بلاد اللجوء المحاذية للدولة السورية.

المساعدات الفرنسية صبّت في هذا السياق، أي دعم لبنان لتحمل عبء اللاجئين، من دون أن ينسى الرئيس الفرنسي التأكيد على دعم عسكري عاجل للجيش اللبناني، بعدما جمدت المملكة العربية السعودية الهبة التي قدمتها للجيش اللبناني قبل نحو ثلاثة أشهر، والتي كان من المقرر أن تكون فرنسا هي الدولة التي ستوفر السلاح بقيمة الهبة المذكورة المقدرة بثلاثة مليارات دولار أميركي. ودعم المؤسسة العسكرية بالسلاح والذخيرة يأتي أيضا في سياق لا يبتعد كثيرا عن المهمة التي جاء من أجلها هولاند، أي أن يبقى لبنان ملاذا آمنا للاجئين السوريين.

على أن البارز في زيارة الرئيس الفرنسي الذي التقى رئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء والقيادات السياسية والدينية، هو استثناء حزب الله من هذه اللقاءات، وإن لم يصدر أي توضيح رسمي فرنسي أو من قبل حزب الله حول الأسباب التي حالت دون اللقاء، فإن المراقبين في بيروت نظروا إلى هذه الخطوة باعتبارها مؤشرا للحصار الذي بات يتعرض له حزب الله على المستوى العربي والإسلامي والدولي.

لم يعد لقاء أيّ مسؤول رسمي غربي زائر للبنان بمسؤولي حزب الله أمرا عاديا، فبعدما صنف في خانة المنظمات الإرهابية من مختلف المنظمات الإقليمية، وكان آخرها منظمـة المؤتمـر الإسلامي، فإن ذلك فرض على الرئيس الفرنسي التعامل مع هذا المعطى الجديد بـاعتباره أمرا لا يمكن تجاوزه بسهولة، ولا سيما أن تجاوز فرانسوا هـولاند لكـل هذه القرارات يتطلب أن يكون لدى الرئيس الفرنسي مبرر استثنائي، كأن يشكل هذا اللقاء فرصة للإفراج عـن الاستحقـاق الرئاسي اللبناني من قبضة حزب الله، أما أن يكون اللقاء مجرد لقاء من دون نتائج سياسية مهمة، فذلك هو ما جعل هولاند يتفاداه، ولا سيما أن مثل هذا اللقاء كان سيخرج حزب الله منه رابحا وحيدا، وسيجيّره كردّ على تصنيفه من قبل الدول العربية والإسلامية في خانة الإرهاب، ومن رئيس دولـة فرنسا الصـديقة لهـذه الدول ولا سيما المملكة العربية السعودية.

الوضعية التي خلص إليها حزب الله، تزيد من القلق الإيراني، فدرة التاج الإيراني في المنطقة العربية التي يمثلها حزب الله، وصلت إلى مراحل خطرة والوظائف التي أُوكلت إليه، باتت تشكل ثقلا كبيرا على حزب الله، وبالتالي تهدد النفوذ الإيراني الذي لم يستطع أن يحقق نموذجا مستقرا على مستوى مناطق نفوذه، فها هو يتعرض لانكسار في اليمن، وينتظر هزيمة في سوريا وفشلا ذريعا في العراق، وكل ذلك يجعل إيران قلقة على مستقبل حزب الله ودوره في المستقبل.

وفي محاولة للحدّ من التداعيات، سعت إيران من أجل إعادة تنشيط دور حزب الله، عبر تكليف أمينه العام بمحاولة لملمة ما يسمى "البيت الشيعي في العراق"، وكانت قنـاة الميـادين المقربـة من إيران ومن حزب الله نقلت مطلع الأسبوع الماضي وصول السيد مقتدى الصدر إلى بيروت قادما من العراق.

هذه المعلومة أرفقت بمعلومات أكدتها أوساط عراقية، من العراق ومن بيروت، عن وصول رئيس الحكومة السابق نوري المالكي إلى بيروت، فيما كان وصل إلى بيروت قبل الرجلين السيد جواد الشهرستاني قادما من إيران، ومن المعروف أن الشهرستاني هو وكيل المرجع الأعلى للشيعة السيد علي السيستاني في إيران.

المعلومات الشحيحة من بيروت تفيد بأن السيد حسن نصرالله عمل على محاولة إجراء مصالحة بين نوري المالكي ومقتدى الصدر، مستخدما التوكيل الإيراني ورصيده الشخصي من أجل حماية البيت الشيعي في ظل مخاطر انفكاكه بعدما عجزت القوى المنضوية تحته، عن إدارة السلطة وأوصلت البلد إلى حافة الانهيار، بسبب سوء الإدارة والفساد الذي لم يعد خافيا أو قابلا للتعليق على مشجب الإرهاب أو سواه. يدرك نصرالله، ومن خلفه الإيرانيون، أن السلطة العراقية التي يتحكم فيها حلفاء إيران، باتت في مأزق خطير.

ونقل عن مصدر مقرب من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أن الأمين العام لحزب الله ضغط باتجاه اللقاء به، ونقل له قلق المسؤولين في طهران على وحدة البيت الشيعي، وذلك بسبب تصريحات ومواقف الصدر من التحالف الوطني، وإصراره على إجراء إصلاحات جذرية في العملية السياسية العراقية.

وأضاف المصدر أن “مقتدى الصدر أبلغ نصرالله بأن ما يهمه هو وحدة العراق والعراقيين بكل أطيافهم وقومياتهم ومذاهبهم، وليس الشيعة فقط، من دون أن يقدم أي تعهدات أو وعود بعودة تياره إلى اجتماعات التحالف الوطني، الذي يتزعمه إبراهيم الجعفري”.

الإجراءات العقابية ضد حزب الله تتزايد بسبب تورط حزب الله الأمني والعسكري في أكثر من دولة عربية، وفي سياق حال الاستنزاف الذي أصابه في الحرب السورية، سواء على المستوى المعنوي والسياسي من خلال حال العداء الشعبي العربي والإسلامي الذي يواجهه منذ انخراطه في مواجهة الثورة السورية، أو على المستوى المادي الذي جعل حزب الله عاجزا عن الانتصار في سوريا، وغير قادر على الانسحاب نحو لبنان، ولا خيار أمامه سوى الاستنزاف والمزيد منه من دون أفق أو هدف غير حماية نظام بشار الأسد.

كما أن القيادة الإيرانية، من جهة أخرى، تريد من خلال ربط الدوائر الشيعية، من العراق إلى لبنان، التأكيد على أن الملف الشيعي واحد في كل هذه الدوائر، وبالتالي لا يمكن إنجاز تسويات إقليمية منفصلة في كل دولة دون الأخرى. وأن سياسة الحصار، من خلال إدراج حزب الله على لوائح الإرهاب، ستقابل بمزيد الحاجة إلى دور حزب الله في أي تسـوية محتملـة في المنطقـة.

 

صحيفة العرب