حدثان بارزان يمكن ان يختصرا زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الى بيروت،. الاول يتصل بالحسابات الفرنسية والاوروبية بشأن ملف اللاجئين السوريين والحدّ من تدفقهم الى اوروبا، عبر توفير بيئة حاضنة للاجئين في لبنان وغيره من الدول المحاذية لسورية. الثاني هو عدم حصول لقاء مع احد قياديي حزب الله كما كان يجرى الاعداد له. اما الجوانب المتصلة بالاستحقاقات اللبنانية، ولا سيما انتخاب رئيس للجمهورية، فليس لدى هولاند ما يقدمه غير الدعاء للبنانيين بأن يحسموا امر الرئاسة في ما بينهم.
يجدر الانتباه الى ان الرئيس الفرنسي لم يطالب حزب الله بالانسحاب من سورية، ولم يدعم بقاءه او يشد من ازره في الحرب السورية. بدا الأمر غير ذي بال لديه، ولم يظهر من كل التسريبات تفسيرا لعدم اجراء اي لقاء بين هولاند وقيادي من حزب الله، ولا حتى قيل ان السبب هو تورطه في القتال خارج لبنان، او يتصل بدوره في انتخاب رئيس للجمهورية، لا هذه ولا تلك ولا بطبيعة الحال الخلاف على قضايا بروتوكولية او ما الى ذلك من اعتبارات شكلية.
ما نسبه البعض الى مصادر قريبة من حزب الله، هو ان الرئيس الفرنسي استجاب لضغوط او نصائح سعودية بعدم استقبال وفد حزب الله. نصيحة غداة تصنيف منظمة المؤتمر الاسلامي حزب الله على لائحة الارهاب، وهي تعكس حال المواجهة المتصاعدة بين ايران والسعودية من جهة، وعلى خلفية الاجراءات العقابية التي اتخذتها الرياض بوقف الهبة للجيش اللبناني لأسباب تتصل بدور حزب الله في لبنان، من جهة ثانية.
من هنا يمكن ملاحظة ان ورقتي تدخل حزب الله في سورية، الى جانب ورقة الاستحقاق الرئاسي اللبناني التي يتحكم حزب الله الى حدّ كبير بمصيرها، دخلتا في مرحلة جديدة، تنتقلان ببطء لكن بثبات من مرحلة كونهما عنصر قوة لحزب الله الى حالة ضغط عليه.
فالقتال داخل سورية لم يعد محل ازعاج لا غربي ولا دولي، بل انتقل فهم قتال حزب الله في سورية من عنصر قوة لايران ولحزب الله الى عنصر استنزاف لحزب الله الذي بات عاجزا عن الخروج من المستنقع، وغير قادر على الاستمرار من دون افق انتصار. لذا يمكن فهم تراجع المطالبات الغربية والدولية له بالانسحاب، لا سيما انه أدرج ضمن قواعد اللعبة الاميركية – الروسية بشكل كامل.
اما ورقة الاستحقاق الرئاسي فهي ايضا باتت تتجه لتشكل ضغطا معنويا على حزب الله، منذ اقتصرت الترشيحات الجدية على حليفي حزب الله العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية. فحزب الله، الذي كان في موقع المشارك بتعطيل الانتخابات الرئاسية، بات يتضح لدى الرأي العام المحلي والدولي انه صاحب الحصة الاكبر في تعطيلها. وهذه النتيجة ليست مزعجة ومسيئة لاعدائه وخصومه، بل هي تترسخ في اذهان الكثيرين مع الوقت. وباتت مرشحة لأن تصبح عبئا عليه، في وقت يرافق هذا التعطيل الرئاسي المزيد من تداعي المؤسسات في الدولة وتراجع فاضح على مستوى تأمين شروط الحدّ المعقول من واجبات الدولة تجاه الداخل والخارج.
اكثر فأكثر تتحول مسألة انتخاب رئيس للجمهورية الى قضية محلية، في ظل عدم رغبة الاطراف الاقليمية او الدولية باجراء اي مقايضة سواء مع حزب الله او ايران لبتّ الاستحقاق الرئاسي، لتبقى كرة الرئاسة في الملعب اللبناني، وأكثر، لتتحول الى كرة نار في يد حزب الله ومع ضيق الخيارات الرئاسية. بحيث بات حزب الله بين خيار ان يفرض العماد ميشال عون رئيسا او ينحاز لفرنجية وفي كلا الحالين فالخسائر اكثر من الارباح. اما الانحياز الى خيار ثالث فالكلفة اعلى وأعلى، من هنا يتحول الاستحقاق الرئاسي ومع مرور الوقت الى كرة نار سيحاول حزب الله لا حقا التخلص منها او رميها بعيدا. الاستحقاق الرئاسي كما التدخل في سورية يتحولان من ورقتي قوة لحزب الله الى مأزق.