تعيش سوريا والشعب السوري ذكرى الجلاء التي صادفت يوم أمس الأحد، وتذكرنا هذه المناسبة باستقلال سوريا وخروج القوات الأجنبية من آخر شبر فيها، ونتذكر هذا الإنجاز  كإنجاز ساهم فيه كل أبناء الوطن السوري، بغض النظر عن اختلاف معتقداتهم الدينية والطائفية والسياسية والفكرية، أو انتماءاتهم العرقية، أو شرائحهم الاجتماعية الاقتصادية. لقد صنع هؤلاء وطنا جديدان صنعوا الجلاء وطردوا المحتل الفرنسي من أرضهم، رافضين كل مشاريع التقسيم المناطقي أو المذهبي التي خرج بها عليهم ذلك المستعمر اللئيم، الذي عمل على استهداف وحدتهم التي هي مصدر قوتهم وجوهر انتمائهم، وهكذا كان شعار الثورة السورية الكبرى الذي أعلنه للملأ قائدها الزعيم الوطني سلطان باشا الأطرش: «الدين لله، والوطن للجميع».

فوقف أبناء جبل العرب وسهل حوران جنباً إلى جنب مع إخوانهم في غوطة دمشق وجبال حارم وهضبة حلب، وأبناء الساحل السوري مع رجال حماة وحمص وسهوب الجزيرة السورية ليشكلوا بكليّتهم هذا الوطن العظيم: ســـــــــورية. تأتي ذكرى الجلاء هذا العام وسورية تعيش مرحلة صعبة من تاريخها، تتقاطع فيها عوامل خارجية لم يشهد التاريخ مثيلاُ لها، تسعى من خلالها قوى مختلفة إلى إزاحة سورية عن تراثها وتاريخها ودورها الحضاري، المُطالب بالحقوق الوطنية في السيادة والاستقلال وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي. 

ولعلّ ذكرى الجلاء هذه تأتي هذا العام  ويأتي معها جلاء البصر والبصيرة لكل سوري، فتتضح الصورة الشاملة، ويتبين له أن استقرار الوطن واستقلاله عامل أساسي حاسم في أي تطور مستقبلي، وأن سعيه نحو الحرية والديمقراطية، ونحو الرخاء الاقتصادي والتقدم الاجتماعي، له عناوين قائمة واضحة، أساسها وحدة الشعب السوري ووحدة مؤسساته، فسورية التي تركها لنا آباء الاستقلال وطناً واحداً موحداً عصياً على الاستعمار متطلعاً إلى المستقبل، لا بد أن نتركها لأبنائها بلد الأمن والأمان والسلام والازدهار، لنا وللإنسانية جمعاء.

وبعدُ، فإن عيد الجلاء هو عيد الحرية، عيد الاستقلال، عيد المستقبل الواعد القادم الذي يطمح إليه كل السوريين، المتطلعين إلى تقدم بلادهم وازدهارها وسؤددها. إنه عيد الإخاء والوفاء للوطن، هذا الوطن الذي يكبر بأبنائه، ويزهو بنجاحاتهم، كي يتبوأ وإياهم المكانة اللائقة به وبهم بين أمم الأرض.

وفي هذه المناسبة نتطلع إلى إرادة الشعب السوري الصابر ، وإذ يعيد التاريخ ذاته فإن هذه الثورة التي انطلقت منذ ما يقارب الخمس سنوات مدعوة اليوم إلى زخم جديد وروح جديدة تعيد من جديد رسم الخارطة السورية التي يريدها الشعب والتي تتناسب مع كل متطلبات الحياة في سوريا الجديدة، وإنها مناسبة أيضا ليبقى السوري حجر العثرة أمام مشاريع تفتيت الوطن وتقسيمه بكل ما يملك هذا الشعب من قوة وعزم وصبر وإصرار.

إن الثورة السورية اليوم تصنع أملا جديدا في وعي الشعب السوري وتصنع سوريا جديدة سوريا التي تحلم بجلاء جديد يضمن حريتها وواستقلالها ووحدة أراضيها. إن الشعب السوري اليوم كل الثوار السوريين أمام مسؤولية وطنية في استعادة الوطن وحريته فلتكن هذه المناسبة حافزا جديدا ومحطة جديدة لإنطلاقة جديدة وروح جديدة يطون بطلها السوري وحده .